خضراوات من السبانخ والسلك والخس. أغصان من الياس وتفاح وورد وحبات من الثوم وخل وتمر. سمسم وسكر وحلويات. سمك زينة لونه أحمر. رز وشموع. حناء ومرآة وقطع نقدية وقرآن.
ستشكل كلها مائدة عيد نوروز التي تحرص هناء على تجهيزها كل سنة عند غروب الشمس.
نساء الجيران
تسكن هناء (52 عاما) في حي بني سعيد في بغداد، وهو من الأحياء الشعبية القديمة التي يسكنها العرب والأكراد من العراقيين.
تقول إنها تعلمت من أمها وجدتها إحياء بعض معتقدات وطقوس عيد نوروز رغم أنهم من عائلة معتدلة دينياً وليسوا أكراد.
قبل المغيب، تبدأ هناء بتحضير (صينية نوروز) كمعتقد يجلب الخير للبيت وأهله، وتستمر بقراءة بعض الآيات القرآنية المخصصة حتى مغيب الشمس.
تتحدث هناء كيف كانت نساء الجيران من الكرديات يشاركن العربيات بوقتها، حيث كانت نساء الحي يتفقن على التجمع في منزل إحداهن للاحتفال بنوروز من خلال تحضير هذه المواد والدعاء بالخير وتحقيق الأمنيات للجميع.
"كنا نشعر بقيمة هذا اليوم ونقوم بتنظيف المنازل وتحضير الصينية وانتظار زيارة بعض الجارات من الكرد للاحتفال، أما اليوم فقد تغير الحال وتناست الكثير من العوائل هذا الطقس أو أهملته بسبب صعوبة الحياة وتغيرها".
رحلات في الهواء الطلق
الكثير من البغداديين من غير الأكراد كانوا في السابق يهتمون بعيد نوروز ويمارسون طقوسه التقليدية، بمشاركة عوائل أخرى عبر السفرات أو الرحلات إلى المدن الشمالية قبل يوم من المناسبة للاحتفال مع الأكراد في الهواء الطلق.
تقول إيمان علوان إنها كانت شغوفة بعيد نوروز وتنتظر اقتراب موعده بفارغ الصبر، لأن هذا يعني المشاركة برحلة مع أهالي الجيران والأقارب إلى شمال البلاد وزيارة الأماكن السياحية والكنائس والمزارع الخضراء والشلالات وغير ذلك.
وتضيف أن المتعارف عليه في السابق كان السفر بمركبات نقل عامة أو بواسطة سيارات خاصة من مدينة لأخرى ومن مزرعة لغيرها عبر طرق هادئة وسهلة لشمال العراق.
وما إن يحين موعد تناول الطعام حتى تبدأ العوائل وغيرها من مجموعات الشباب بالتوقف أينما يحتشد الناس في الأراضي الخضراء لتناول الطعام واللهو والاحتفال مع الأكراد من خلال الرقص على أنغام الدبكات الكردية والعربية.
التشدد الديني
لكن بعد 2003، باتت هذه الطرق خطيرة للغاية بسبب الانفلات الأمني وانتشار العصابات المسلحة ومن ثم الاقتتال الطائفي وحوادث التفجيرات الإرهابية وأحداث سيطرة داعش على بعض المدن وخاصة الموصل ومعارك تحريرها للقضاء على هذا التنظيم، فضلا عن صعوبة إجراءات الدخول بالنسبة للعوائل العربية من العراقيين الساكنين خارج إقليم كردستان.
لذا فإن الوصول لشمال العراق للاحتفال بعيد نوروز صار من العادات غير المرحب بها.
يقول محمد رعد (52 عاما) إنّ العراقيين من غير الأكراد ما زالوا في بغداد يحتفلون بعيد نوروز أو كما يطلق عليه باللغة الدارجة عيد الربيع، وهو الأمر الوحيد الذي لم يتغير إلا قليلا حتى الآن بالنسبة للعوائل التي اعتادت على هذا الطقس رغم كل ما حدث.
ويضيف "لكن الأجيال الجديدة، وخاصة الذين ولدوا أو شبوا من غير الأكراد بعد عام 2003، لا علاقة لهم بهذا الاحتفال، لأن ما حدث من تأزم سياسي وأمني أسفر عن خلق فجوة انتماء ونقطة تحول كبيرة بين جيل ما قبل عام 2003 وما بعده".
كلما يقترب عيد نوروز ، تسود إشاعة بين المواطنين بأنه لا يجوز الاحتفال بهذا العيد "لأنه من أعياد الفرس وفيه من الإشراك بالله الكثير من الأمور"، حسب محمد، "لكننا لم نكن نبالي أو نهتم لما كان يقال لأننا اعتدنا على الاحتفال بهذا اليوم كتقليد شعبي متوارث وخاصة في المناطق الشعبية التي يسكنها خليط من العرب والأكراد سنة وشيعة".
ويشير الرجل الذي يدير محلا لبيع المواد الغذائية والتجهيزات المنزلية ببغداد إلى أن بعض المتشددين دينيا يعتقدون أن الاحتفال بنوروز يخالف القيم الإسلامية وتعاليمها.
"في السابق لم نكن نستوعب هذا الأمر وكنا نسخر منه، لكن اليوم وخاصة بعد الاقتتال الطائفي عام 2006-2008 صار الكثير من المتدينين يؤمنون بذلك".