مخلفات انفجار سابق في اليمن -أرشيف
مخلفات انفجار سابق في اليمن -أرشيف

مع تصاعد وتيرة النزاع الدموي في اليمن الذي يدخل عامه الرابع، لا تتورع الأطراف المتحاربة في البلاد عن استدعاء مفردات الخطاب الديني والمذهبي على نحو يزيد من اتساع حدة الانقسام والتشظي الاجتماعي.

حرب المئة عام

ولا يخفي سياسيون وصحافيون وناشطون حقوقيون يمنيون مخاوف جادة من تحول الدين إلى “عامل فرقة وتنازع، وفتيل حروب مذهبية لا تنتهي”، على حد تعبير الكاتب الصحافي، حسين الوادعي.

يؤكد الوادعي، وهو أيضا باحث يمني بارز، أن “الإسلام كهوية سياسية وهوية للدولة كما طرح من قبل جماعات الإسلام السياسي لم يعد قادرا على التوحيد الاجتماعي أو التنظيم السياسي، لأسباب كثيرة أبرزها السبب المذهبي”.

“صعود الإسلام السياسي والأصوليات المقاتلة وضعنا أمام لحظة الحقيقة. لحظة العلمانية العربية أو حرب المئة عام”، أضاف الوادعي.

وأشار إلى أن الشرخ المذهبي صار حقيقة لا سبيل لإنكارها مع صعود المواجهات بين السنة والشيعة في عراق ما بعد صدام.

“غذت إيران نزعة التشيع القتالي في العراق من الشرق، وغذت السعودية نزعة التسنن القتالي من الجنوب، وتحول العراق إلى ساحة لأول حرب مذهبية إسلامية في العصر الحديث”.

تابع الوادعي ”سقوط صنعاء في يد الحركة الحوثية ببعدها السلالي المذهبي، لم يكن سوى فتيلا إضافيا لتأجيج الصراع المذهبي”.

تحد كبير

لكن على العكس من ذلك يرى الصحافي نبيل الصوفي أن الانقسام في اليمن لا يزال انقساما سياسيا.

ويعتقد أن دعم الناس للحوثي لا يزال متعلقا بكونه سيطر على الدولة وليس لأنه جماعه مذهبية.

وأشار إلى أنه رغم ما يبذله الحوثي “فيما يسمى بدوراته الثقافية وشعاراته الدينية والمذهبية، لا يبدو أن تلك الجهود تحقق تفوقا له، وهذا يعني أن الشعب لا يوافق على هذه الشعارات”.

 وفي المقابل يعتقد نبيل الصوفي أن الشعار الديني السني تراجع كثيرا في جنوب اليمن وتحول الناس هناك إلى خلافات سياسية سواء تتعلق بشكل الدولة أو بشأن الخدمات.

ومع ذلك لا ينكر أن “الشعار الديني السني يتموضع ضد الشعار الديني الشيعي في الجبهات الحربية”.

واعتبر ذلك تحديا كبيرا يتوجب على كل الأطراف العمل من أجل السيطرة على تداعياته الخطيرة.

صراع السلطة والثروة

من جانبه، يرى الدكتور عبدالله عزعزي، وهو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء، أن المشكلة ليست في الدين كرسالة سماوية ولكن في كيفية فهم رسالة هذا الدين.

وأضاف أن “النص الديني ملهم وقادر على إيجاد طاقة روحية وثورة لعملية التغيير، من يشوه هذا النص هو فهم الإنسان للدين وعدم القدرة على تحديد مواضع الاختلاف”.

ويؤكد أن “الصراع القائم هو صراع على سلطة وثروة لا غير، لكن يقحم النص الديني في عملية الصراع”.

قادر على التوحيد

إلى ذلك يؤكد رضوان عبدالله، وهو رجل دين يمني سني أن “الإسلام لا يزال هو الحل والقادر على التوحيد الاجتماعي، لكن الإسلام الوسطي النابع من التعاليم الإلهية”.

ويضيف رضوان، وهو نائب رئيس المجلس الشافعي الإسلامي في اليمن، “الفرقة والاقتتال بين الطوائف الإسلامية ناتج عن نظرتهم اللاواعية للإسلام وتعاليمه ومنهجه، والحقيقة أن المسلم مهما كان سنيا أو شيعيا فهو معصوم الدم، وبالتالي يجب تجسيد ذلك على أرض الواقع”.

يتابع “الأمة اليمنية كانت ولا تزال موحدة، وعلى مدى عقود من الزمن شهدت تعايشا وتنوعا وقبولا بالآخر، لم تعرف اليمن حروباً طائفية بين المكونين الدينيين الرئيسيين الزيدية والشافعية”.

ويتهم رضوان عبدالله أنظمة استخباراتية عالمية ودولاً غربية وعربية وإقليمية بإحداث الشرخ الطائفي على مستوى الأمة الإسلامية وليس في اليمن فقط.

سيادة القانون المدني

وفي ردهما على سؤال بشأن ما تحتاجه اليمن والأمة الإسلامية للخروج من هذه المشكلة المؤرقة، اتفق عزعزي ورضوان على ضرورة الرقي إلى مستوى فهم النصوص الدينية.

لكن حسين الوادعي يرى أن إيقاف الحروب المذهبية لن يكون بتطبيق الشريعة لأن الشريعة (القانون الديني) مذهبية بطبيعتها، على حد قوله.

وأضاف “الحل يتمثل بسيادة القانون المدني الذي يعامل الجميع على قدم المساواة. يجب أن تكون الدولة علمانية والحكم فيها قائم على المواطنة المتساوية، بينما السياسة قائمة على المصالح العامة الدنيوية”.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.