إيزيدية تنظر إلى زوجها بعد شهرين من نزوحهم من سنجار
إيزيدية تنظر إلى زوجها بعد شهرين من نزوحهم من سنجار

يقال إن تاريخ هذه المدينة يمتد لعشرات آلاف السنين.

المدافعون عن هذا الرأي، يستشهدون بعظام ومتحجرات وأدوات يقولون إن عمرها أكثر من 60 ألف سنة، وجدت قريبة من مدينة سنجار (شنكال) الحالية.

لكن المؤكد إن هذه المدينة الصغيرة، ذات الموقع الاستراتيجي كانت موجودة هنا في هذا المكان نفسه، منذ أيام الآشوريين، وربما حتى البابليين.

يؤمن معتنقو الديانة الأيزيدية (وهم أغلبية سكان المدينة) أن ديانتهم هي الأقدم في العالم، لكن التاريخ يقول إن هذه المجموعة الدينية الصغيرة نسبيا، قد تكون الأكثر تعرضا للاضطهاد المستمر عبر التاريخ.

​​

معبد إيزيدي

​​

لم يشكل الأيزيديون مملكة أو امبراطورية أبدا، على العكس، كانت مدينتهم تغري الغزاة دائما، ديانتهم غير التبشيرية جعلت توسعهم أمرا غير ممكن، فيما أغرى موقع المدينة وغناها باقي المتوسعين مثل الآشوريين، الرومان، ولاحقا المسلمين.

يذكر بعض المؤرخين أن الإمبراطورية الرومانية هاجمت سنجار حينما كانت تحت سيطرة الآراميين. قاوم السنجاريون الغزو الروماني لكنهم لم يستطيعوا وقف الجيوش الرومانية القوية، ويعزى إلى الرومانيين الآن الفضل في تعبيد أول شوارع المدينة بالحجر.

دخل المسلمون سنجار بقيادة أبي موسى الأشعري بعد ظهور الإسلام بعقدين، اللافت إن هذه المدينة لم تقاوم المسلمين وقتها، وسمحت بدخولهم سلميا.

قبل ألف عام تقريبا هاجمت جيوش السلاجقة بقيادة طغرل بك العراق، قبل أن تصل الجيوش إلى بغداد كان طريقها يمر بسنجار، ودفاعا عن المدينة، قتل نحو أربعة آلاف من أهلها الذين حوصروا لشهر تقريبا.

العملة التركمانستانية (مانات) وتظهر عليها صورة طغرل بك

​​يقال إن السلاجقة اضطروا لطلب تعزيزات بسبب مقاومة المدينة الشرسة لهم. قبل أن يدخلوا لاحقا إلى بغداد وينتزعوها من النفوذ البويهي.

لكن الفترة "المظلمة" بالنسبة للأيزيديين كانت فترة الاحتلال العثماني، مرة أخرى قامت الجيوش القادمة من تركيا بمذابح في المنطقة، العداء للأيزيديين كان مركبا، فهم بالنسبة لكثير من المسلمين "كفار" يعبدون الشيطان، كما إنهم يرجعون في أصولهم إلى القومية الكردية.

آخر مآسي سنجار كانت واحدة من أفظعها، في تموز عام 2014 هجم مسلحو داعش على المدينة التي كانت تحرسها قوات من البيشمركة، صحا أهلها على صوت انسحاب مدرعات حرس الإقليم، فتعرضوا إلى واحدة من أبشع المجازر الجماعية التي شهدتها البلاد.

إمرأة إيزيدية نازحة تهدهد طفلها في مهد مصنوع محليا

​​

 حتى الآن، توجد أكثر من 2000 من الإيزيديات لا يعرف مصيرهن، من مجموع نحو 3000 فتاة اختطفن ليتحولن إلى رقيق بشري و"جوار" لعناصر التنظيم.

أكثر من 2000 أيزيدي قتلوا على يد التنظيم، ومئات غيرهم ماتوا جوعا وعطشا خلال رحلة النزوح، الكثير منهم مات على جبل سنجار القريب من المدينة، الذي لجأوا اليه مرات متعددة للسبب ذاته، طوال تاريخهم.

بعد تحرير المدينة، تدمر جزء كبير منها، وتقاسمت قوات من الحشد الشعبي، وحلفاء لها من الأيزيديين، وقوات من الكرد، بضمنهم قوات تنتمي لحزب العمال الكردستاني، وحلفاء أيزيديون، السيطرة على المدينة.

ومرة أخرى، تهدد سنجار قوات قادمة من تركيا، هذه المرة لوجود قوات من حزب العمال الكردستاني المعارض كما يقول الرئيس التركي إردوغان.

وفي حال نفذ الرئيس التركي تهديداته، ويبدو أنه في طريق التراجع عنها، ستدخل قواته عشرات الكيلومترات في أراض عراقية، وقد يكون على الأيزيديين التفكير في اللجوء إلى الجبل مجددا.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.