صلاح الدين-هشام الجبوري:
لم يكن وليد علاء وهو شاب شيعي، يعلم عندما فكر بالارتباط بفتاة سنية، أن يكون في مواجهة التشدد الديني وتحت رحمة الأحكام العشائرية الثقيلة.
علاقة وجدانية جمعت الطالب الجامعي بزميلته، سرعان ما تبددت لتتحول إلى كابوس أسود لا يلاحق هذا الشاب وحسب، بل عشرات الشباب في محافظة صلاح الدين العراقية ممن تجرأوا على الإخلاص لمشاعرهم وأحلامهم.
وقفت أمامهم أولا القيم العشائرية، ومنها "النهوة" التي عانى منها أبناء محافظة صلاح الدين، وكانت نتائجها سلبية وكارثية، فبموجبها لا يمكن لامرأة نهى عن زواجها أي من أبناء عمومتها حتى لو كان فاقد الأهلية العقلية والجسدية والمادية، ان تغيّر مصيرها وتقترن بمن تحب.
تكشف أم علي، وهي سيدة في الستين، عن قصة جارتها: "بالقرب من قريتنا تدرس بنت في جامعة تكريت. تقدم ابن عمها للزواج منها غير أنها رفضته، ثم أصبحنا على خبر هروب البنت مما سبب انهيارا في عشيرتها وقريتها".
وبعد أن تم هدر دمها، فـ"مصير البنت (الهاربة) سيكون القتل في حال العثور عليها وذلك تطبيقا للحكم العشائري الذي لا مفرّ منه"، تقول أم علي دون أن تخفي فرحها بتمكن الفتاة من الهرب وتحقيق مستقبلها بعيدا عن وصاية التقاليد الجائرة.
كراهية الأخوين
ويذكر أبو مجيد ( 50 عاما)، إنه وافق على زواج ابنته من شاب يناسبها أكثر من ابن أخيه الكبير الذي أعلن التبرؤ منه بسبب ذلك. الرجل يؤكد أنه لم يندم على قراره، حتى مع خسارة علاقته بأخيه، حرصا على مصير ابنته ومستقبلها.
ويرى الأكاديمي وسام محمد من أهالي الدجيل، إن لا حق شرعيا وقانونيا يبرر ما يقوم به أقرباء البنت عبر "نهي زواجها" بل هو تجاوز على كيان العائلة، ومن تعب على عائلته هو صاحب الحق برسم مستقبل حياة بناته".
تجاوز على حدود الله
ويعتقد رجل الدين محمد فرج، إنه طالما تؤكد جميع الشرائع السماوية على أن عقد الزواج لا يتم إلّا بالقبول والرضى من الطرفين، فـ "النهوة" تعتبر ظلما، وهي محرمة شرعا، وصاحبها يتحمل آثارها في الدنيا وتبعاتها في الآخرة".
للعشائر رواية أخرى
عرف النهوة العشائري "معمول به في أغلب محافظات العراق، ولا يمكن أنكاره، لكن في محافظة صلاح الدين تراجع بنسبة 90 بالمئة"، يقول مروان الجبارة الناطق باسم شيوخ عشائر صلاح الدين.
أما الشيخ ذاكر الجبوري، أحد شيوخ عشيرة الجبور في مدينة الضلوعية، فقد أكد "في عشيرتنا وجميع أفخاذها (فروعها) نرفض "النهوة" حتى إننا نحكم من يمارس هذه الحالة السلبية بغرامة مالية قدرها 60 مليون دينار عراقي (نحو 50 ألف دولار) ويعزل خارج العشيرة ".
لكن الشاب وليد علاء يعود فيقول "هذه الحالة رغم أنكارها عشائريا لكنها موجودة ودليل ذلك قصتي التي منعت نهايتها السعيدة عوامل دينية وعشائرية استخدمت كل قوتها ضد زواجي بمن أحب لمجرد إننا نختلف طائفيا".
السجن لـ"الناهي"
ويذكر الحقوقي في محكمة قضاء بلد المحامي صهيب برهان رزوقي، إن المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل تعاقب النهوة العشائرية بالسجن ثلاث سنوات.
قانونا إذا كانت الفتاة بالغة سن الرشد، فيحق لها تحريك دعوى قضائية ضد من نهى عليها، كما أن ذويها باستطاعتهم تقديم شكوى ضد الناهي في حال لم تبلغ البنت السن القانونية.
وإذا اقترن فعل النهوة بالتهديد فان فعل الجاني ينطبق عليه فضلا عن أحكام المواد 430 و431 و432 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدّل والتي تصل فيها العقوبة القصوى إلى سبع سنوات بحسب جسامة الفعل وظروف الجريمة والجاني.
حقوقياً تعتبر النهوة على النساء من أقاربهن الرجال "ضد النصوص القانونية ومخالفة لمعايير حقوق الإنسان وبخاصة حرية المرأة وحقوقها"، يقول رئيس منظمة "حضارة أكد لحقوق الاإسان" محمد سالم، مؤكدا أن "حقوق المرأة وحريتها مغتصبة في مجتمعنا وذلك لاستفحال سلطة الذكور".
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365