في عامي 2012 و2013، توجه أربعة شبان أردنيين، جمعتهم الصداقة في أحد مساجد حي نزال شرق العاصمة عمان، للقتال في سورية.

لم تكن لدى الشبان الأربعة أية علاقة بالتيار السلفي الجهادي. كانوا على العكس نشطاء في جماعة الإخوان المسلمين.

كثيرون مثلهم انتقلوا فجأة، عقب سنة 2011، من خلفيات غير سلفية، مثل جماعة الإخوان المسلمين أو الدعوة والتبليغ، إلى التيارات الجهادية، ليغادروا في أول فرصة إلى سورية والعراق من أجل القتال في جبهة النصرة أو تنظيم داعش.

مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية في عمان درس حالات 760 جهاديا أردنيا، من بينهم 190 قتلوا في الخارج وهم يحاربون في جماعات مسلحة، و49 ما زالوا في ساحات القتال.

لا توجد إحصائيات تفصيلية عن عدد الجهاديين الأردنيين من خلفيات إخوانية أو دعوية، "إلا أنهم مكون لا يمكن التغاضي عنه بين جهاديي الأردن" يقول موسى شتيوي مدير المركز.

سقط "الربيع"..

ولد الشبان الأربعة، جهاد وأنس وعبد الله وصالح، بين سنتي 1991 و1995، وتربوا في الحلقات الدينية التي كانت تعقدها جماعة الإخوان في المساجد.

في بداية الربيع العربي، شاركوا بتفاوت في المسيرات المطالبة بالإصلاح في الأردن.

جهاد غبن كان أكثرهم مشاركة. أطلق عليه أصدقاؤه لقب "الرجل البخاخ"، لأنه تعود أن يكتب شعارات سياسية على الجدران ببخاخ الألوان.

كان عام 2011 نقطة تحول في حياته. لم يكن، وهو المولود سنة 1994 (16 سنة فقط)، يتجاوز الصف الأول ثانوي عندما اندلعت ثورات الربيع العربي.

انغمس في المسيرات. كان شغوفا بمواقع التواصل الاجتماعي، وحاول ولوج كلية الإعلام لكنه فشل، فدرس اللغة العربية في الجامعة الأرنية.

في الجامعة، كان نشيطا في صفوف طلبة الاتجاه الإسلامي، قبل أن يتحول مسار حياته فجأة إلى اعتناق فكرة "الجهاد".

"انتهاء جذوة الحراك في الأردن لم يكن خفيف الوطأة على روح الشاب جهاد وعقله... خلق ثقوبا شديدة في المشروع الذي شيده في خياله"، تقول الدراسة.

تزامن تراجع الربيع العربي مع ظهور تنظيمات تحمل مشروع إقامة دولة إسلامية. وهو ما "دفع هؤلاء الى الابتعاد عن المطالب الديمقراطية والانخراط في تنظيمات لا تعترف بالديمقراطية"، يقول موسى شتيوي مدير المركز، في تصريح لـ(ارفع صوتك).

في منتصف 2013، التحق جهاد الذي كان يحلم بنسخة أردنية من الربيع العربي بجبهة النصرة، الفصيل الجهادي الذي لا يؤمن بأي من الأفكار الإصلاحية كان يتظاهر من أجلها الشاب الأردني.

حينها، كان صديقاه عبد الله وأنس قد سبقاه إلى سورية.

كان "الربيع العربي المشروع والحلم الذي يبحث عنه" يقول أصدقاؤه.

في تشرين الأول/أكتوبر 2014، قتل جهاد في اشتباك مع قوات النظام السوري في محافظة حماة.

إخوانية جهادية 

ينتمي أنس قبلان، من مواليد 1993، إلى عائلة محافظة. منذ صغره، التزم بحلقات الإخوان المسلمين في المساجد.

"كان يشارك في أنشطة الجماعة المعتادة التي كانت تتحدث دوما عن القضية الفلسطينية والجهاد في الإسلام، فأصبح متأثرا لدرجة كبيرة بهذا الموضوع"، تقول الدراسة.

وهو مراهق، قرأ أنس كتاب "مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق" لابن النحاس، أحد الكتب المنتشرة بين أبناء التيار الجهادي.

"شحن الطفل مبكرا بموضوع الجهاد، وأصبح مولعا به، من خلال التعبئة للقضية الفلسطينية وموضوع حماس، لكن التفريغ حصل في سورية"، يقول خاله لمعدي الدراسة.

بالنسبة لهؤلاء، أنس "هو نتاج التربية الإخوانية الجهادية".

في أحد فيديوهاته على يوتيوب، يظهر أنس وهو يقرأ قصيدة رجز بعنوان "الكلام المنمق" كتبها بنفسه. كان يبكي وهو ينشد "عار علينا أن نبقى جالسين".

في عام 2013، التحق بجبهة النصرة وكان قائدا لمجموعة من "الانغماسيين" ولقب بـ "أبو جلمود المقدسي".

قتل أنس في مواجهة مع قوات النظام السوري خلال معركة سهل الغاب في تموز/يوليو 2015.

إخواني التنظيم قاعدي الهوى!

عبد الله أبو حليمة، من مواليد نيسان/أبريل 1994. اندمج صغيرا في حلقات دينية في مسجد الصالحين في منطقة حي نزال، وانتمى مبكرا لجماعة الإخوان.

عدد كبير من أفراد عائلته، بمن فيهم أبوه وأمه، ينتمون أو قريبون من الجماعة. في دراسته في شعبة الهندسة في جامعة البلقاء التطبيقية، كان عبد الله نشيطا في صفوف الاتجاه الاسلامي.

كان عبد الله "صناعة إخوانية، تقريبا، منذ صغره إلى مرحلة الجامعة"، تقول الدراسة.

لكنه مع ذلك، حمل ميولات جهادية حتى وسط التزامه بخط الإخوان السلمي. كان شديد الإعجاب بأسامة بن لادن، يتغنى به دوما وبأبي قتادة الفلسطيني، وبسامر سويلم، المعروف بـ"خطاب"، أحد رموز المجاهدين العرب في مرحلته الأخيرة بالشيشان. كان يضع صورته على صفحته في فيسبوك.

مع تحول التظاهرات في سورية إلى مواجهات مسلحة، توجه عبد الله إلى سورية عبر تركيا، وانضم إلى فصيل "كتائب الإيمان" المقرب من جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن ينتقل إلى جبهة النصرة.

قتل في تشرين الأول/أكتوبر 2014.

جميع الحالات السابقة من مواليد التسعينات ومنتمون لجماعة الإخوان المسلمين، تربوا في صغرهم على أفكار جهادية تجد صداها في تأييد حركة حماس، لكنها لم تترجم عمليا إلا في المشهد السوري.

تبليغي في صفوف داعش!

 ولد عامر الضمور سنة 1978 في مدينة الزرقاء.

ظل طوال حياته يرتاد مسجد الفلاح المجاور لمنزله. تأثر بجماعة الدعوة والتبليغ، وانضم إليها.

رغم ذلك،كان مؤيدا لتنظيم القاعدة ولزعيمه أسامة بن لادن، ليتحول إلى التيار السلفي.

في عام 2011، برز نجم عامر في مدينة الزرقاء، وشار أنصار التيار السلفي الجهادي في مسيرات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بالتزامن مع اندلاع الربيع العربي.

اعتقل على اثر مصادمات مع الشرطة، رفقة نحو 200 سلفي. وأطلق سراحه لاحقا.

في أيلول/سبتمبر 2012 التحق بجبهة النصرة، قبل أن يغادرها إلى تنظيم داعش حيث صار أصبح أميرا لمحافظة الرقة.

في تشرين الأول/أكتوبر 2017، ظهر في شريط دعائي، وقد صار اسمه أبو اليمان الأردني، وهو يقود عربة مففخخة لتنفيذ عملية انتحارية في مدينة الموصل العراقية.​

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.