الموصل ـ صالح عامر:
مينا القس ورجوى مقداد طالبتان في كلية الطب في جامعة الموصل. الأولى مسيحية والثانية مسلمة، لكن الاختلاف الديني لا يقف حاجزا أمام صداقتهما، فهما تمضيان غالبية الوقت معا سواء أثناء الدراسة أو بعدها.
تتبادل مينا ورجوى الحديث عن الأوضاع التي شهدتها الموصل خلال السنوات الثلاث الماضية في ظل سيطرة تنظيم داعش عليها، وكيف ألحق التنظيم خسائر فادحة بالمدينة، والأضرار التي لحقت بمكوناتها، وظروف النزوح الصعبة وما حملته من ذكريات للموصليين.
لا تخفي مينا شعورها بالخوف عندما باشرت دراستها في جامعة الموصل بعد تحرير المدينة من التنظيم في 10 تموز/ يوليو من العام الماضي. تقول "كنت خائفة جداً وكانت عائلتي تخشى من دخولي الموصل بعد الأحداث التي شهدتها، خصوصا أننا نزحنا من المدينة بعد سيطرة داعش عليها واستقررنا في محافظة دهوك".
شكلت الدراسة في الموصل، التي لم يمض على تحريرها من داعش سوى تسعة أشهر، تحدياً كبيراً لمينا. لكنها واجهت هذا التحدي، فتلاشى خوفها، وتغيرت نظرتها مع مباشرتها بالدراسة في المدينة.
وتلفت الى أنها وجدت أن نظرة الطلبة لها كانت طبيعية، الأمر الذي لم يشعرها باختلافها الديني، وتضيف "الطالبة الأكثر قربا مني الآن هي رجوى وهي مسلمة".
تبتسم مينا وتشير الى أنها تعرفت على صديقتها رجوى خلال فترة النزوح، فقد درستا المرحلة الأولى من الكلية معا في المقر البديل لجامعة الموصل في محافظة كركوك. أما رجوى فتقول لموقع (ارفع صوتك) "لا أشعر أنها مختلفة عني... طباعنا متقاربة".
وكان تنظيم داعش قد استهدف أثناء سيطرته على الموصل الأقليات، تحديدا المسيحيين والأيزيديين، محاولا أن يخلق شروخات طائفية في محافظة نينوى.
مركز لترسيخ التعايش
منذ عودة الحياة إلى جامعة الموصل التي تقع في الجانب الأيسر من مدينة الموصل، وانتظام الدراسة في الجامعة في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، أصبحت تستقطب المئات من الطلبة من مختلف مناطق العراق ومن كافة المكونات.
علي مظفر، طالب من محافظة الناصرية، يدرس هندسة النفط في جامعة الموصل، يصف الجامعة بمركز ترسيخ التعايش بين مكونات العراق.
ويقول "أنا مسلم شيعي من الناصرية، لا أشعر بالقلق وأنا موجود حاليا في الموصل، مهمتي إلى جانب الدراسة هي نقل صورة مدينتي إلى الموصل وبالعكس، فأنا سفير الناصرية في الموصل".
يشير مظفر الى أن الموصليين يعتبرون الطلبة القادمين من خارج مدينتهم جزءا من عائلاتهم.
وتعتبر الأستاذة في كلية علم النفس في جامعة الموصل، الدكتورة خلود بشير عبد الأحد، الشارع الموصلي بعد تحرير المدينة من داعش، عامل اطمئنان للطلبة غير الموصليين، والطلبة المسيحيين والأيزيديين الذين فضلوا الدراسة في الموصل على المواقع البديلة للجامعة في المدن الأخرى.
وتقول "وجّه شباب الموصل بعد التحرير رسالة إيجابية عن المدينة من خلال الحملات التطوعية، وتنظيفهم الكنائس والمساجد والجامعة، وزرعت هذه الخطوة التعايش داخل المدينة".
أكثر من 2500 طالب من المحافظات الجنوبية
شهدت جامعة الموصل خلال الأعوام الاخيرة التي سبقت سيطرة داعش على المدينة هجرة الكثير من أبناء المكونات وطلبة المدن الجنوبية منها، إثر تعرضهم لتهديدات من قبل الجماعات المسلحة.
لكن رئيس جامعة الموصل، الدكتور أُبي سعيد الديوَجي، يؤكد أن المشهد في الجامعة أصبح مختلفا عما كان عليه في الماضي.
ويقول الديوَجي "من مجموع 35 ألف طالب في الجامعة لدينا الآن أكثر من 2500 طالب من المحافظات العراقية الأخرى، غالبيتهم من الجنوب، إضافة إلى أعداد كبيرة من الطلبة المسيحيين والأيزيديين".