قريباً من المنازل المنهارة التي دُمرت في مناطق الجانب الأيمن من الموصل وركامها، صرخ طفل لم يتجاوز السادسة من عمره بعبارة (جاء الكفرة) لحظة مرور فرقة للإغاثة كان أفرادها قد تطوعوا لتقديم المساعدات وانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
هذا ما ترويه أسماء حميد وهي ناشطة تعمل في حملات الإغاثة.
توقعت أسماء أنّه تمّ تسليم هؤلاء الأطفال إلى مراكز إيواء تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية. "لقد أصبتُ بالهلع وأنا أرقب العشرات من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و12 عاما، وهم يتجولون بملابس رثة ومتسخة ويصفون كل من يدخل المنطقة بالكفرة".
الوضع في أيمن الموصل "مقلق جدا"، كما تقول أسماء التي تؤكد أن حياة هؤلاء الأطفال وقصصهم تحمل مآسي لا يمكن استيعابها.
تروي أسماء قصة طفل كان يقضي نهاره مع غيره من الأطفال في الشارع وعندما يشعر بالجوع يستجدي الأكل من المنازل. "لقد أشار بأصابعه إلى أماكن الجثث تحت أنقاض منزله".
الطفل قال لها إن "أمه ترقد هنا تحت ركام منزلهم". تنقل أسماء عن الطفل قوله "بقيت هنا لأنني لا أعرف أين أذهب".
طفل آخر لا يعرف شيئاً عن مصير عائلته ينام بين ركام منزله المهدم وعندما يجوع يحاول العثور على الطعام من خلال السرقة، كما تروي أسماء أيضا.
وآخر يقول إنه لا يعرف أحداً، لذا يرافق مجموعة من الأطفال مثل حاله فقدوا عوائلهم، ولأنه يشعر بالخوف فهو "لا يستطيع معارضتهم وإلاّ ضربوه وتركوه وحيدا".
مشاكل خطيرة
وتجهل المتطوعة أسيل أحمد، عدد الأطفال المتواجدين في الساحل الأيمن من الموصل "إذ لم يتحرك أحد باتجاههم"، وتقول "الوضع في الساحل الأيمن لا يطمئن، الجثث لا تزال في كل مكان والأطفال يتجولون قربها".
وتضيف "يبدو أن مشكلة الجهات الحكومية الآن هي إنهاء أفكار داعش التي غرسها بعقول الأطفال في مراكز الإيواء، متناسين العشرات غيرهم خارجها يتصرفون بحرية دون التفكير بمن يحاول استغلالهم أو توجيههم".
أسيل، وهي من الموصل، وتهتم بشكل أساسي بقضايا المرأة، تجد أن بقاء هؤلاء الأطفال في الشوارع سيؤدي لمشكلات خطيرة بالمجتمع، أهمها أن أفكارهم داعشية متطرفة ومخيفة.
مفوضية حقوق الإنسان
وتشدد الأكاديمية في القانون الجنائي الدولي وعضوة المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بشرى العبيدي على خطورة حال هؤلاء الأطفال المتواجدين بعيدا عن أعين الحكومة والجهات المسؤولة.
وتقول في حديث لـ(ارفع صوتك) إن الأطفال الذين تركوا في الساحل الأيمن من الموصل، دون الالتفات إليهم أو معرفة ما يحدث لهم "هم قنابل موقوتة لأنهم خضعوا لفكر داعش رغم أعمارهم الصغيرة".
وتضيف أن الكثير من نشطاء حقوق الإنسان في البلاد حاولوا المساعدة لإيجاد بعض الحلول لهؤلاء الأطفال لكن بلا فائدة "بسبب رفض الجهات الحكومية الاقتراب منهم لأن المدن التي تحررت حتى الآن لم ينته الفكر الداعشي منها".
وليس هناك إحصائيات رسمية لعدد الأطفال المشردين في الموصل، لكن قائممقام الموصل زهير الأعرجي أكد في حديث سابق لـ(ارفع صوتك) أن كل تقاطع مروري في الموصل يشهد يومياً تواجد أكثر من 25 طفلاً مشرداً.
وتشدد العبيدي على ضرورة تدارك مشاكل هؤلاء الأطفال واستيعابهم وإحاطتهم بالرعاية اللازمة.