أمام محل تجاري لبيع المشغولات الفضية في سوق الملح، أشهر أسواق مدينة صنعاء القديمة، جلس فائز مطهر (44 عاماً)، يرمق بنظرات سارحة متحسرة وجوه زوار المدينة التاريخية العريقة المدرجة على لائحة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي.
حتى عهد قريب كانت مدينة صنعاء القديمة إحدى أبرز الوجهات السياحية في اليمن، لكن منذ سقوط البلاد في خضم الفوضى والصراع الدامي قبل أربع سنوات أصبح من غير المألوف مشاهدة أي أجنبي في المدينة التي كانت تكتظ بالسياح.
“لا تشعر وأنت تتجول في هذا المكان أنه منطقة سياحية بارزة”، قال فائز مطهر، الذي كان يعمل مرشداً سياحياً، قبل أن يفقد مصدر رزقه الوحيد بسبب الشلل التام الذي ضرب القطاع السياحي جراء الحرب التي دخلت عامها الرابع.
أضاف مطهر “آخر مرة زار فيها أشخاص أجانب مدينة صنعاء القديمة كان في آذار/مارس 2015”.
ويأمل مطهر أن يحل السلام قريباً، ويأتي مجدداً اليوم الذي يشاهد فيه السياح يعودون إلى اليمن.
فقدان الرغبة في العمل
على غرار ذلك، لا يخفي صبري قائد وهو موظف استعلامات في فندق شهير بمنطقة التحرير وسط العاصمة صنعاء، تذمره هو الآخر من استمرار الصراع وتداعياته المدمرة على هذا القطاع الذي كان يشكل مصدر دخل لعشرات الآلاف من اليمنيين.
“كنا نستقبل عشرات السياح الأجانب والمحليين يومياً. الآن نظل أياماً دون أن نستقبل أي زبون”، أكد صبري.
لكن هذا الحال لا يقتصر فقط على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شمالي البلاد، بل هو ذاته أيضاً في المناطق التي أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً استعادتها من الجماعة المسلحة المتحالفة مع إيران.
يقول مالك فندق في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد إن “انتشار حمل السلاح والانفلات الأمني والعمليات الإرهابية وتصاعد النزعة الانفصالية عوامل أدت إلى تراجع السياحة بشكل كبير”.
أضاف الرجل الذي فضل عدم ذكر اسمه، “لم يعد هذا القطاع مجدياً. كغيري من المستثمرين فقدت رغبة العمل في السياحة”.
اقرأ ايضا:
كارثة كبيرة
ولسنوات طوال مثلت السياحة رافداً مهماً للاقتصاد اليمني ذي الطابع الاستهلاكي.
ووفقا لمسؤول حكومي في صنعاء فإن عائدات اليمن من السياحة بلغت نحو مليار دولار في 2010، تشكل نحو 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وحتى العام 2010 كان هذا القطاع يشكل مصدر دخل رئيس لحوالي 250 ألف شخص في اليمن، يعيلون أكثر من مليون نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم نحو 27 مليوناً.
يقول محمد أبو طالب، وهو مدير عام وكالة أبو طالب للسياحة والسفريات، “بسبب توقف النشاط السياحي خسرنا عملا وجهدا بنيناه طوال 37 عاماً”.
“تم إلغاء اسم اليمن ومجموعتنا من الكتالوجات السياحية الدولية، هذا كارثة كبيرة بالنسبة لنا”.
وأكد أبو طالب الذي يملك واحدة من أقدم الوكالات السياحية في اليمن أن آلاف الأشخاص الذين يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر مع وكالته توقفوا عن العمل.
وأضاف لـ(ارفع صوتك) “مقرنا في صنعاء تضرر أيضاً بشكل كبير بسبب القصف الجوي”.
وتذهب التقديرات الرسمية إلى أن حوالي 85 في المئة من العمالة في القطاع السياحي تم تسريحها، فيما تعرضت أكثر من 260 منشأة سياحية للاستهداف العسكري بشكل مباشر أو غير مباشر.
7 مليارات دولار
ويؤكد أحمد البيل، وهو نائب المدير التنفيذي لمجلس الترويج السياحي (حكومي) في صنعاء، أن حجم الخسائر الأولية التي تعرض لها هذا القطاع خلال ثلاث سنوات من الحرب تجاوزت 7 مليارات دولار.
وأضاف “السياحة الوافدة إلى اليمن توقفت، كنا نستقبل سنوياً 400 ألف سائح أجنبي وحوالي 600 ألف سائح من دول الخليج، هؤلاء اختفوا تماماً”.
وحسب المسؤول الحكومي في مجلس الترويج السياحي، فإن أكثر من 85 معلماً وموقعاً تاريخيا سياحياً يعود بعضها إلى القرن العاشر قبل الميلاد استهدفت بضربات جوية، أو تم تدميرها من قبل تنظيمات إرهابية.
إيقاف الحرب
وفي السياق يقول ياسين التميمي، وهو رئيس جمعية الكتاب السياحيين في اليمن، إن “الحرب كانت أحد أهم أسباب ضرب السياحة”.
وأشار إلى أن اقتصاد الحرب ليس فيه متسع لتنشيط السياحة. “السياحة والحرب لا يجتمعان".
لكن التميمي، وهو صحافي ومحلل سياسي يمني بارز، يعتقد أنه كان بإمكان الحكومة إنعاش السياحة في مناطق بعيدة عن مسرح العمليات العسكرية مثل حضرموت والمهرة جنوبي شرق البلاد، وجزيرة سقطرى النائية في المحيط الهندي، "لكنها لم تفعل بسبب هيمنة قوات التحالف الذي تقوده السعودية على هذه المناطق”، على حد قوله.
ومع ذلك يشعر نائب مدير مجلس الترويج السياحي أحمد البيل أن النشاط السياحي يمكن أن يعود تدريجياً في حال إيقاف الحرب وإعادة الإعمار ورفع الحصار.