مصريون في مقهى مرسوم على جداره صورة محمد صلاح / AFP
مصريون في مقهى مرسوم على جداره صورة محمد صلاح / AFP

رضا الشمري- واشنطن

قبل ثلاثة أيام فاز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية لرئاسة مصر.

لم يكن الوضع في الشارع لافتا ليلة فوز الرئيس الذي أيده 97 بالمئة من المصريين، كما بينت النتائج الرسمية للانتخابات.

لكن بعدها بيومين، اشتعل الشارع المصري حماسا، والسبب كان أداء رائعا للاعب المصري محمد صلاح أو "الملك المصري" كما يسميه مشجعو فريقه الإنكليزي (ليفربول).

الآن تمتلئ الصفحات المصرية على فيسبوك وتويتر بصور صلاح، وأخبار عن "بطولاته" و"أخلاقه".

​​

​​شيئا فشيئا، تتبلور صورة صلاح كـ"معبود" للجماهير المصرية.

المصريون "شرشحوا" المعلق الرياضي جمال الشريف، الذي قال إن هدفا لصلاح في مباراة الأربعاء كان من "تسلل".

​​الصفحات المصرية الساخرة صنعت صورا للسخرية من هذا التصريح، وتحت كل صورة أو منشور، يمكنك أن تشاهد مئات التعليقات، أغلبها يسخر بود، لكن بعضها يبدو جادا، مثل هذا التعليق.

q={"url":"Liverpoolbelaraby/posts/2122937904652195","iq":"comment_id=2122941894651796","oq":"include_parent=false","width":"560","height":"161"}

​​

يبدو صلاح محترفا بالفطرة، ليس في مجال الكرة فحسب، وإنما أيضا في مجال العلاقات العامة.

بعد الأهداف، يحرص صلاح على السجود، كما أنه يظهر دائما مبتسما ومراعيا للعلاقات حتى مع جمهور الخصوم أو لاعبيهم، وأيضا، أسمى ابنته "مكة".

​​مؤخرا قام صلاح بزيارة مفاجئة التقى فيها طلبة بريطانيين صغارا لم يكونوا يعلمون بوجوده، تعامل معهم بشكل دافئ ومحبب للغاية.

طريقة صلاح كسبت له قلوب الإنكليز بشكل كبير، لكن بالنسبة للمصريين، فإنها تأسرهم تماما.

سجل مركز مكافحة الإدمان المصري زيادة في عدد الاتصالات للتسجيل ببرنامجه بنسبة 400 في المئة بعد إعلان ظهر فيه صلاح يدعو للابتعاد عن الإدمان.

شعبية صلاح كاسحة.

يقول أحمد عثمان، وهو صحافي مصري شاب "صلاح هو أكثر شخصية محبوبة في مصر حاليا، والناس بدأت تتعصب له جدا".

يضيف عثمان "من غير المضمون جدا أن توجه انتقادا لصلاح في مقهى مثلا، قد يسبب هذا ردود فعل عنيفة".

لكن لماذا يسبب انتقاد لاعب كرة قدم "ردود فعل عنيفة"، في حين قد يكون عاديا جدا انتقاد الرئيس المصري مثلا (في حال لم يسمع بهذا عناصر الأمن أو المخبرون).

يقول الصحافي يوسف التميمي إن "المجتمعات العربية معبأة بقيم سوقت على إنها قيم مثالية، مثل الشجاعة والتدين والفوز على الخصوم، بالإضافة إلى التواضع".

"لكن لا أحد من المشاهير يمتلك هذه المقومات، فأصبح هناك فراغا بين المثاليات وبين الواقع، وحالما يظهر شخص يظهر إشارات على امتلاكه لتلك المقومات، يتحول الحب إلى ما يشبه التقديس"، يضيف يوسف.

​​يبدو هذا صحيحا، لكن عمر هذه المحبة "قليل" كما يقول الصحافي المصري معتز الخطيب.

طلب معتز أن نبقي اسمه الحقيقي سرا.

يقول الخطيب "لاعب كرة قدم مثل صلاح سيبقى محبوبا حتى يعتزل أو يضعف أداؤه، ستأتي أجيال لم تشاهد لعبه ولم يمنحها هو الفخر، فلن تتعلق به كما يتعلق به المصريون الآن".

"لكن الخطر فعلا حينما يكون هذا التقديس موجها نحو شخصية دينية أو سياسية" يقول الخطيب.

قبل فترة طلبت سيدة عراقية من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن يمسح جبهته بمنديل كانت تحمله، تعاملت بعدها مع المنديل بتقديس كبير.

وفي مصر، شوهد مصريون يسجدون على ملصق انتخابي للرئيس السيسي، وسجل الصراع السوري مشاهدا كثيرة تطلق على الأسد أو إردوغان أوصافا مفرطة في التبجيل.

في الحقيقة، يمكنك أن تجد من "يقدس" أشخاصا مثل "بن لادن" أو "جيفارا" أو حتى "هتلر"، مع أنهم يعتبرون مجرمين بالنسبة لمجتمعات كاملة.

يقول الكاتب وسيم الكناني إن المجتمعات العربية تبحث دائما عن رموز.

بالإضافة إلى الحاجة إلى تجسيد "للقيم"، يعتقد الكناني إن "العرب بشكل عام بعيدون عن فكرة الفردية "للآن ما قمنا بصناعة فرد يؤمن بفردانيته ويزهو بنفسه وبإنجازاته الشخصية".

حتى الإنجازات الشخصية تقيم من خلال استفادة الجماعة منها، البعض، ومنهم رجال دين، وصفوا صلاح بأنه "يعيد مجد الإسلام".

يضيف الكناني "الرمز الوطني والقومي والديني والمذهبي والعشائري لا يمكن ان يظهر بهذه الحدة في المجتمعات التي تقوم على فكرة الفردانية وتعظيم الفرد"، ويتابع "كانت المجتمعات في كل العالم تقدس الملوك والنبلاء ولم تكن هذه خصوصية شرقية، لكن العالم غادر القرون الوسطى ثقافيا، ومع الأسف ما زلنا نعيش في ثقافة تلك القرون".

يختم الكناني كلامه "هناك عوامل تتعلق بفشل المجتمع مع التحديات المعاصرة لهذا يحاول التشبث بنموذج ناجح حتى يتخلص من فكرة الفشل التام أو نموذج قوي ومتسلط يتصور أنه سيعيد من خلاله حلم الماضي المندثر".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.