رضا الشمري- واشنطن
قبل ثلاثة أيام فاز الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية لرئاسة مصر.
لم يكن الوضع في الشارع لافتا ليلة فوز الرئيس الذي أيده 97 بالمئة من المصريين، كما بينت النتائج الرسمية للانتخابات.
لكن بعدها بيومين، اشتعل الشارع المصري حماسا، والسبب كان أداء رائعا للاعب المصري محمد صلاح أو "الملك المصري" كما يسميه مشجعو فريقه الإنكليزي (ليفربول).
الآن تمتلئ الصفحات المصرية على فيسبوك وتويتر بصور صلاح، وأخبار عن "بطولاته" و"أخلاقه".
كثر همّ من أساؤوا لديننا وعروبتنا وحضارتنا وأخلاقنا ،وجاء الشابّ المؤمن الخلوق العبقري لينصفنا ويرفع من شأننا ، لا بتفوّقه في الكرة فقط ، إنَّما لخلقه الرفيع والتزامه بالدِّين الحقيقي #محمد صلاح
— Assala (@AssalaOfficial) April 5, 2018
شيئا فشيئا، تتبلور صورة صلاح كـ"معبود" للجماهير المصرية.
المصريون "شرشحوا" المعلق الرياضي جمال الشريف، الذي قال إن هدفا لصلاح في مباراة الأربعاء كان من "تسلل".
الصفحات المصرية الساخرة صنعت صورا للسخرية من هذا التصريح، وتحت كل صورة أو منشور، يمكنك أن تشاهد مئات التعليقات، أغلبها يسخر بود، لكن بعضها يبدو جادا، مثل هذا التعليق.
يبدو صلاح محترفا بالفطرة، ليس في مجال الكرة فحسب، وإنما أيضا في مجال العلاقات العامة.
بعد الأهداف، يحرص صلاح على السجود، كما أنه يظهر دائما مبتسما ومراعيا للعلاقات حتى مع جمهور الخصوم أو لاعبيهم، وأيضا، أسمى ابنته "مكة".
About that Mohamed Salah goal celebration#lfchttps://t.co/3xng6qvaBJ pic.twitter.com/Rtr5P5VVui
— The Conversation (@ConversationUK) April 4, 2018
مؤخرا قام صلاح بزيارة مفاجئة التقى فيها طلبة بريطانيين صغارا لم يكونوا يعلمون بوجوده، تعامل معهم بشكل دافئ ومحبب للغاية.
طريقة صلاح كسبت له قلوب الإنكليز بشكل كبير، لكن بالنسبة للمصريين، فإنها تأسرهم تماما.
سجل مركز مكافحة الإدمان المصري زيادة في عدد الاتصالات للتسجيل ببرنامجه بنسبة 400 في المئة بعد إعلان ظهر فيه صلاح يدعو للابتعاد عن الإدمان.
شعبية صلاح كاسحة.
يقول أحمد عثمان، وهو صحافي مصري شاب "صلاح هو أكثر شخصية محبوبة في مصر حاليا، والناس بدأت تتعصب له جدا".
يضيف عثمان "من غير المضمون جدا أن توجه انتقادا لصلاح في مقهى مثلا، قد يسبب هذا ردود فعل عنيفة".
لكن لماذا يسبب انتقاد لاعب كرة قدم "ردود فعل عنيفة"، في حين قد يكون عاديا جدا انتقاد الرئيس المصري مثلا (في حال لم يسمع بهذا عناصر الأمن أو المخبرون).
يقول الصحافي يوسف التميمي إن "المجتمعات العربية معبأة بقيم سوقت على إنها قيم مثالية، مثل الشجاعة والتدين والفوز على الخصوم، بالإضافة إلى التواضع".
"لكن لا أحد من المشاهير يمتلك هذه المقومات، فأصبح هناك فراغا بين المثاليات وبين الواقع، وحالما يظهر شخص يظهر إشارات على امتلاكه لتلك المقومات، يتحول الحب إلى ما يشبه التقديس"، يضيف يوسف.
ماذا بينك و بين الله ؟! #محمد_صلاح 👑💜 pic.twitter.com/PR9KRp8CR7
— Adwaa elrefaay (@adwaa_elrefaay) April 5, 2018
يبدو هذا صحيحا، لكن عمر هذه المحبة "قليل" كما يقول الصحافي المصري معتز الخطيب.
طلب معتز أن نبقي اسمه الحقيقي سرا.
يقول الخطيب "لاعب كرة قدم مثل صلاح سيبقى محبوبا حتى يعتزل أو يضعف أداؤه، ستأتي أجيال لم تشاهد لعبه ولم يمنحها هو الفخر، فلن تتعلق به كما يتعلق به المصريون الآن".
"لكن الخطر فعلا حينما يكون هذا التقديس موجها نحو شخصية دينية أو سياسية" يقول الخطيب.
قبل فترة طلبت سيدة عراقية من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن يمسح جبهته بمنديل كانت تحمله، تعاملت بعدها مع المنديل بتقديس كبير.
وفي مصر، شوهد مصريون يسجدون على ملصق انتخابي للرئيس السيسي، وسجل الصراع السوري مشاهدا كثيرة تطلق على الأسد أو إردوغان أوصافا مفرطة في التبجيل.
في الحقيقة، يمكنك أن تجد من "يقدس" أشخاصا مثل "بن لادن" أو "جيفارا" أو حتى "هتلر"، مع أنهم يعتبرون مجرمين بالنسبة لمجتمعات كاملة.
يقول الكاتب وسيم الكناني إن المجتمعات العربية تبحث دائما عن رموز.
بالإضافة إلى الحاجة إلى تجسيد "للقيم"، يعتقد الكناني إن "العرب بشكل عام بعيدون عن فكرة الفردية "للآن ما قمنا بصناعة فرد يؤمن بفردانيته ويزهو بنفسه وبإنجازاته الشخصية".
حتى الإنجازات الشخصية تقيم من خلال استفادة الجماعة منها، البعض، ومنهم رجال دين، وصفوا صلاح بأنه "يعيد مجد الإسلام".
يضيف الكناني "الرمز الوطني والقومي والديني والمذهبي والعشائري لا يمكن ان يظهر بهذه الحدة في المجتمعات التي تقوم على فكرة الفردانية وتعظيم الفرد"، ويتابع "كانت المجتمعات في كل العالم تقدس الملوك والنبلاء ولم تكن هذه خصوصية شرقية، لكن العالم غادر القرون الوسطى ثقافيا، ومع الأسف ما زلنا نعيش في ثقافة تلك القرون".
يختم الكناني كلامه "هناك عوامل تتعلق بفشل المجتمع مع التحديات المعاصرة لهذا يحاول التشبث بنموذج ناجح حتى يتخلص من فكرة الفشل التام أو نموذج قوي ومتسلط يتصور أنه سيعيد من خلاله حلم الماضي المندثر".