مقاتل من قوات سورية الديمقراطية يفر للاختباء من نيران داعش قرب المستشفى المركزي في مدينة الرقة. سيطر الأكراد على المدينة بعد أربعة أشهر من المعارك مع داعش.
مقاتل من قوات سورية الديمقراطية يفر للاختباء من نيران داعش قرب المستشفى المركزي في مدينة الرقة. سيطر الأكراد على المدينة بعد أربعة أشهر من المعارك مع داعش.

وضع الأكراد في سورية ليس بأفضل من وضعهم في العراق.

هذه الإثنية التي كانت تنادي بالاستقلال منذ زمن بعيد، واجهت قائمة طويلة من الخسائر.

الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في العراق في 25 أيلول/سبتمبر 2017، فشل.

وخسر الكرد مدينة كركوك (بعد أن كانت مسيطرة عليها في أعقاب الحرب على  داعش في 2014) وشريطا حدوديا طويلا واستراتيجيا بين مناطقهم والمناطق التي تديرها الحكومة العراقية.

وخسر الأكراد سيطرتهم على عفرين.

 يعتقد الكرد أنهم محقون في مطلبهم للحصول على دولة مستقلة تضمن حقوقهم. فقد كانوا في الصفوف الأولى في الحرب على داعش، وحاولوا تطبيق النموذج الغربي في إدارة المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، كالمساواة بين الرجال والنساء مثلاً في المجالس المحلية. كما أنهم استضافوا حوالي مليوني لاجئ عربي على أراضيهم.

كانوا يراهنون على أن "السيطرة على الرقة ستضمن لهم دعماً دولياً طويل الأمد يتيح لهم بناء روج آفا (غرب كردستان)"، حسبما يقوله الخبير في الشؤون السورية من معهد واشنطن فابريس بالانش لوكالة الصحافة الفرنسية.

لكن الأكراد وجدوا أن مشروعهم غير قابل للتحقيق ولا وجود لدعم حقيقي من دول كبرى لهم. والسبب هو وقوعهم في أخطاء فادحة، كما يقول خبراء لموقع (ارفع صوتك).

"تم استغلالنا كبنادق"

"لم ينظر إلى الأكراد إلا كبنادق" يقول مستشار الرئاسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" في القامشلي وعضو الهيئة التنفيذية في الحزب سيهانوك ديبو لـ(ارفع صوتك).

يضيف "الأكراد أصبحوا رموزاً لمحاربة الإرهاب. رغم أن بعض الدول تصر على إغفال دور الفاعل الذي لعبوه مؤخراً في محاربة داعش".

ويوضح أن الأكراد مؤمنون أن معاركهم لم تنتهِ. فهم ماضون في معارك عفرين رغم  الخسائر البشرية والمادية الجسيمة التي خلفتها الغارات التركية في صفوفهم.

وفي العراق يعتبر ديبو أن إبعادهم عن كركوك ليس "المشهد الأخير". أما الاستفتاء فهو تأجل فقط ولم يلغَ. يقول "يجب على القوى الكبرى دعم الأكراد، لأنهم أثبتوا أن قادرون على التغيير. وإن لم يتم ذلك فالشرق الأوسط سيصبح مكاناً لصراعات جيدة".

 في ماذا أخطأ الأكراد؟

يقول جيمس جيفري، سفير أميركا السابق إلى العراق والزميل في "معهد واشنطن" لـ(ارفع صوتك) "قدمنا الدعم للأكراد في الحرب ضد داعش. لكن هذا لم يعن أبداً أننا سندعمهم في الاستحواذ على مناطق عربية واستفزاز تركيا وإيران والعراق لتحقيق أجندتهم (دولة مستقلة) كما اعتقدوا".

ويضيف جيفري "ناهيك عن تنحي مسعود البرزاني الذي كان خطأ جسيماُ، ما سبب  خسارة الأكراد لمدينة كركوك وعودتها إلى سيطرة الحكومة الاتحادية".

بحسب صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية، فإن طريقة التعامل مع المواطنين غير الأكراد في المناطق الكردية وعدم إعطائهم حقوقاً مساوية للمواطنين الأكراد كان خطأ آخر. كان للسريان مثلا رد فعل غاضب حيال ما قالوا إنه مصادرة لأراضيهم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، وهو ما اعتبروه طريقة تهدف إلى إقصائهم عن منازلهم في سهل نينوى. كذلك اعتبر بعض الأيزيديين أن الأكراد تخلوا عنهم في 2014، عندما تراجعوا عن حماية مناطقهم بدل الدفاع عنها في وجه داعش.

وحمل عرب في سهل نينوى ومناطق ديالى الكرد المسؤولية عن تجريف مئات من دورهم وعشرات من قراهم.

أما في سورية، فقد استفز ولاء قوات سورية الديمقراطية لحزب العمال الكردستاني تركيا، خاصة في الرقة بعد تحريرها من داعش حيث رفعت أعلام الحزب وصور عبد الله أوجلان.

موضوع الولاء هذا قد يخنق منطقة شمال سورية اقتصادياً. وإن لم يتصرف الأكراد بحذر قد تتفق أنقرة ودمشق في المستقبل على طرد قوات سورية الديمقراطية من شمال شرق سورية وتستعيد السيطرة المركزية عليها، حسب "فورين بوليسي".

كما أن التوسع الكردي يثير القلق حتى لدى حلفاء الكرد، يقول جيمس جيفري "لا أحد باستثناء الأكراد يقول إن منبج هي منطقة كردية، لا أرى لماذا يجب أن يكونوا هناك؟"

إذن ما هي الدروس 

"لا يمكننا القول إن العالم قد تخلى عن الأكراد نهائياً" قال ديفيد بولوك، مدير منتدى "فكرة" لدى "معهد واشنطن" والخبير في الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، لـ(ارفع صوتك).

"دعم العالم حكمهم الذاتي في الحدود الرسمية لكردستان حسب الاتفاقيات الرسمية مع الحكومة العراقية (منذ 2001) حتى الآن، وليس الاستقلال".

ويضيف أن الحال مشابه لوضع الأكراد في سورية "صحيح أنه تم إبعادهم من عفرين بسبب تركيا، لكن الولايات المتحدة تعمل على إيجاد صيغة مع تركيا لعدم التدخل في المناطق الكردية شرق سورية (شرق الفرات) في كوباني والحسكة والقامشلي والرقة ما يعني أن العالم لم يدر ظهره لهم تماماً".  

لكن يجب على الأكراد أن يدركوا أن "الظروف الدولية لتحقيق استقلال كردي غير متوفرة" قال ديفيد بولوك.

ويتفق الخبيران أنه للحصول على مستقبل يضمن العيش المشترك في كل من سورية والعراق يتوجب على الأكراد أن يفكروا بما يلي:

-جميع حكومات الدول التي يسكنها الأكراد لا سيما سورية والعراق، وحتى الأكراد في الجوار التركي والإيراني لا تؤيد وجود دولة كردية مستقلة.

- أن يضعوا في ذهنهم أن وضع الأكراد في سورية والعراق هو أفضل بكثير من وضعهم في تركيا وإيران اللتين لا تعترفان بهوية الأكراد الإثنية وتستمران بقمعهم بالقوة.

- أن يفكروا أنهم حققوا نوعاً من النجاح في سورية والعراق من خلال مناطق الحكم الذاتي. والأمر الذي يضمن مستقبلهم هو القبول بنوع من التسوية والتنازل، والذي سيضمنون من خلاله الدعم الدولي للحفاظ على مناطقهم كي تدار بحكم ذاتي.  

- الانسحاب من منبج لأنها منطقة غير كردية. والتفاوض مع أنقرة بشكل مباشر أو غير مباشر للوصول إلى اتفاق يضمن عدم المساس بالمناطق التي يسيطر عليها الأكراد.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.