وضع الأكراد في سورية ليس بأفضل من وضعهم في العراق.
هذه الإثنية التي كانت تنادي بالاستقلال منذ زمن بعيد، واجهت قائمة طويلة من الخسائر.
الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان في العراق في 25 أيلول/سبتمبر 2017، فشل.
وخسر الكرد مدينة كركوك (بعد أن كانت مسيطرة عليها في أعقاب الحرب على داعش في 2014) وشريطا حدوديا طويلا واستراتيجيا بين مناطقهم والمناطق التي تديرها الحكومة العراقية.
وخسر الأكراد سيطرتهم على عفرين.
يعتقد الكرد أنهم محقون في مطلبهم للحصول على دولة مستقلة تضمن حقوقهم. فقد كانوا في الصفوف الأولى في الحرب على داعش، وحاولوا تطبيق النموذج الغربي في إدارة المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، كالمساواة بين الرجال والنساء مثلاً في المجالس المحلية. كما أنهم استضافوا حوالي مليوني لاجئ عربي على أراضيهم.
كانوا يراهنون على أن "السيطرة على الرقة ستضمن لهم دعماً دولياً طويل الأمد يتيح لهم بناء روج آفا (غرب كردستان)"، حسبما يقوله الخبير في الشؤون السورية من معهد واشنطن فابريس بالانش لوكالة الصحافة الفرنسية.
لكن الأكراد وجدوا أن مشروعهم غير قابل للتحقيق ولا وجود لدعم حقيقي من دول كبرى لهم. والسبب هو وقوعهم في أخطاء فادحة، كما يقول خبراء لموقع (ارفع صوتك).
"تم استغلالنا كبنادق"
"لم ينظر إلى الأكراد إلا كبنادق" يقول مستشار الرئاسة المشتركة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" في القامشلي وعضو الهيئة التنفيذية في الحزب سيهانوك ديبو لـ(ارفع صوتك).
يضيف "الأكراد أصبحوا رموزاً لمحاربة الإرهاب. رغم أن بعض الدول تصر على إغفال دور الفاعل الذي لعبوه مؤخراً في محاربة داعش".
ويوضح أن الأكراد مؤمنون أن معاركهم لم تنتهِ. فهم ماضون في معارك عفرين رغم الخسائر البشرية والمادية الجسيمة التي خلفتها الغارات التركية في صفوفهم.
وفي العراق يعتبر ديبو أن إبعادهم عن كركوك ليس "المشهد الأخير". أما الاستفتاء فهو تأجل فقط ولم يلغَ. يقول "يجب على القوى الكبرى دعم الأكراد، لأنهم أثبتوا أن قادرون على التغيير. وإن لم يتم ذلك فالشرق الأوسط سيصبح مكاناً لصراعات جيدة".
في ماذا أخطأ الأكراد؟
يقول جيمس جيفري، سفير أميركا السابق إلى العراق والزميل في "معهد واشنطن" لـ(ارفع صوتك) "قدمنا الدعم للأكراد في الحرب ضد داعش. لكن هذا لم يعن أبداً أننا سندعمهم في الاستحواذ على مناطق عربية واستفزاز تركيا وإيران والعراق لتحقيق أجندتهم (دولة مستقلة) كما اعتقدوا".
ويضيف جيفري "ناهيك عن تنحي مسعود البرزاني الذي كان خطأ جسيماُ، ما سبب خسارة الأكراد لمدينة كركوك وعودتها إلى سيطرة الحكومة الاتحادية".
بحسب صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية، فإن طريقة التعامل مع المواطنين غير الأكراد في المناطق الكردية وعدم إعطائهم حقوقاً مساوية للمواطنين الأكراد كان خطأ آخر. كان للسريان مثلا رد فعل غاضب حيال ما قالوا إنه مصادرة لأراضيهم من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، وهو ما اعتبروه طريقة تهدف إلى إقصائهم عن منازلهم في سهل نينوى. كذلك اعتبر بعض الأيزيديين أن الأكراد تخلوا عنهم في 2014، عندما تراجعوا عن حماية مناطقهم بدل الدفاع عنها في وجه داعش.
وحمل عرب في سهل نينوى ومناطق ديالى الكرد المسؤولية عن تجريف مئات من دورهم وعشرات من قراهم.
أما في سورية، فقد استفز ولاء قوات سورية الديمقراطية لحزب العمال الكردستاني تركيا، خاصة في الرقة بعد تحريرها من داعش حيث رفعت أعلام الحزب وصور عبد الله أوجلان.
موضوع الولاء هذا قد يخنق منطقة شمال سورية اقتصادياً. وإن لم يتصرف الأكراد بحذر قد تتفق أنقرة ودمشق في المستقبل على طرد قوات سورية الديمقراطية من شمال شرق سورية وتستعيد السيطرة المركزية عليها، حسب "فورين بوليسي".
كما أن التوسع الكردي يثير القلق حتى لدى حلفاء الكرد، يقول جيمس جيفري "لا أحد باستثناء الأكراد يقول إن منبج هي منطقة كردية، لا أرى لماذا يجب أن يكونوا هناك؟"
إذن ما هي الدروس
"لا يمكننا القول إن العالم قد تخلى عن الأكراد نهائياً" قال ديفيد بولوك، مدير منتدى "فكرة" لدى "معهد واشنطن" والخبير في الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، لـ(ارفع صوتك).
"دعم العالم حكمهم الذاتي في الحدود الرسمية لكردستان حسب الاتفاقيات الرسمية مع الحكومة العراقية (منذ 2001) حتى الآن، وليس الاستقلال".
ويضيف أن الحال مشابه لوضع الأكراد في سورية "صحيح أنه تم إبعادهم من عفرين بسبب تركيا، لكن الولايات المتحدة تعمل على إيجاد صيغة مع تركيا لعدم التدخل في المناطق الكردية شرق سورية (شرق الفرات) في كوباني والحسكة والقامشلي والرقة ما يعني أن العالم لم يدر ظهره لهم تماماً".
لكن يجب على الأكراد أن يدركوا أن "الظروف الدولية لتحقيق استقلال كردي غير متوفرة" قال ديفيد بولوك.
ويتفق الخبيران أنه للحصول على مستقبل يضمن العيش المشترك في كل من سورية والعراق يتوجب على الأكراد أن يفكروا بما يلي:
-جميع حكومات الدول التي يسكنها الأكراد لا سيما سورية والعراق، وحتى الأكراد في الجوار التركي والإيراني لا تؤيد وجود دولة كردية مستقلة.
- أن يضعوا في ذهنهم أن وضع الأكراد في سورية والعراق هو أفضل بكثير من وضعهم في تركيا وإيران اللتين لا تعترفان بهوية الأكراد الإثنية وتستمران بقمعهم بالقوة.
- أن يفكروا أنهم حققوا نوعاً من النجاح في سورية والعراق من خلال مناطق الحكم الذاتي. والأمر الذي يضمن مستقبلهم هو القبول بنوع من التسوية والتنازل، والذي سيضمنون من خلاله الدعم الدولي للحفاظ على مناطقهم كي تدار بحكم ذاتي.
- الانسحاب من منبج لأنها منطقة غير كردية. والتفاوض مع أنقرة بشكل مباشر أو غير مباشر للوصول إلى اتفاق يضمن عدم المساس بالمناطق التي يسيطر عليها الأكراد.