فقدت خولة حافظ (63 عاماً) ابنها محمد أثناء رحلته عائدا إلى العراق.
كان ابن خولة طالبا في التعليم المهني (تصنيع عسكري). نصحه الأقارب بالخروج من البلاد قبل أن يتم اعتقاله أو قتله. وفعلا غادر البلاد في 1991.
بعد سقوط النظام، رتّب محمد أموره لزيارة عائلته. وعندما سمحت الفرصة في 2006، اجتاز الحدود العراقية، ليموت قتيلا على الطريق طريبيل السريع.
تقول خولة "الأمهات لم تتغير أحوالهن. الخوف يلاحقهن كلما تأخر ابن. أحلامهن كانت محاصرة بسلطة النظام الدكتاتوري قبل 2003 والمسلحين بعده".
مكاسب وخسارات
تمكّنت المرأة العراقية خلال العقود الماضية من الحصول على بعض الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لكنّ تحوّلات ما بعد 2003 تأرجحت بين المكاسب والخسارات.
والأمر الذي يبدو جليا أن الكثير من النساء العراقيات اضطررن بسبب الأوضاع الأمنية المضطربة في البلاد منذ سقوط النظام أن يخرجن من دورهن التقليدي كربات منزل ويتحولن إلى معيلات.
وعلى الرغم من تطور مشاركة المرأة في القوى العاملة في العراق وخاصة في قطاعي التربية والصحة وكذلك تحسن فرص حصولها على التحصيل العلمي إلا أن مشاركتها ما زالت منخفضة في قطاعات العمل المختلفة.
وبلغ معدل النشاط الاقتصادية للمرأة (14.5 بالمئة) مقارنة بالرجال (72.1 بالمئة) وكذلك تعتبر المرأة الأعلى بمؤشر معدل البطالة (22.2 بالمئة) مقارنة مع الرجل (8.5 بالمئة) ويبلغ معدل مشاركة المرأة في الأنشطة الخدمية (42.4 بالمئة) مقارنة بمشاركتها في الأنشطة الإنتاجية (33.9 بالمئة).
وتقع نسبة المقاعد البرلمانية التي تشغلها النساء في العراق بعد العام 2003 بين أعلى النسب في العالم العربي باستثناء الجزائر وتونس. (25.7 بالمئة)
لكن الخبيرة الاجتماعية بشرى الياسري تقول إن حصول المرأة على نسبة في المقاعد البرلمانية "لا يعني هذا أن المرأة عموماً في البلاد في أفضل حال، بل على العكس وضعها نحو الأسوأ وخاصة بالتعليم والعمل".
وتضيف الخبيرة أنّ الاوضاع الأمنية غير المستقرة وحوادث الإرهاب وظهور داعش جعل المرأة في حال مأساوي، إذ تتراوح حياتها بين فقدان الزوج عبر قتله أو تعوقه، مرورا بجرائم الاغتصاب والسلطة العشائرية والعنف الأسري، نهاية بالفقر والأمية.
الزواج والسلطة العشائرية
ومن ضمن تأثيرات مرحلة ما بعد 2003 انتشار تزويج القاصرات بسبب تصاعد نفوذ السلطة العشائرية، في عقود غير قانونية خارج المحكمة.
وتقول المستشارة القانونية سلوى رزاق التي تسكن في بغداد "يفضل الأهل تزويج بناتهم للتخلص من مسؤولياتهن من دون التفكير بأهمية التعليم والدراسة".
تضيف "إن المئات من الفتيات بعمر الورود يتم إجبارهن على الزواج من قبل عوائلهن أو عشائرهن.. أقابلهن في المحاكم المدنية وهن يقدمن دعاوي للحصول على ما يثبت أنهن متزوجات قانونياً".
وتنتهي العديد من هذه الزيجات بالعنف الأسري أو الطلاق وأحيانا القتل لغسل العار العشائري.
ووفق دراسة صادرة من مجلس القضاء الأعلى لعام 2017، انتهت حياة 61 بالمئة من الفتيات القاصرات اللواتي تمّ تزويجهن بالطلاق ومن دون الحصول على أي حقوق تذكر فيما بلغت نسبة الفتيات القاصرات اللواتي لم يدخلن المدرسة 65 بالمئة من العينة التي شملتها الدراسة.
وبلغ عدد الطلبات المقدمة خلال سنة واحدة للمحاكم من أجل التصديق على عقود زواج جرت على أيدي رجال دين 3151 عقدا، و93 بالمئة هذه الطلبات تخص فتيات قاصرات تزوجن خارج المحكمة وهن مهددات بضياع كامل حقوقهن الزوجية.
ارتداء الزي الديني
التحولات الاجتماعية طالت أزياء النساء. وبات الزي الإسلامي والحجاب أكثر شيوعا بين النساء. تقول وحيدة عادل (43 عاماً) إنّها اضطرت لتغطية رأسها بالحجاب عام 2005 وتحديدا مع شيوع ظاهرة محاسبة النساء ومعاقبتهن في شوارع وأزقة بغداد على خروجهن من دون حجاب.
"لم أعد أستطيع ارتداء ما كنت أرتديه سابقاً. بعد وفاة زوجي بالأحداث الطائفية عام 2008، بات أولادي الثلاثة يتحكمون بما نرتديه من ملابس أنا وابنتاي مروة وسناء".
وتضيف "لو كان أبوهم موجوداً لما استطاعوا التحكم بحياتنا الشخصية، هذا الجيل يختلف عنما كنا عليه في السابق ولا يحترم الحريات الشخصية ويفرض ما يريد بالقوة".
انقضت 15 سنة على التخلص من النظام الدكتاتوري في البلاد، والمرأة العراقية لم تحقق حرياتها وحقوقها، كما يقول القانوني مصطفى الخالدي.
ويرى أن المرأة جُرّدت من قدرتها على اتخاذ قرار مصيرها في الدراسة والتعليم وارتداء الملابس واختيار الزوج المناسب بل وحتى في الحمل والإنجاب. ولم تعد تستطيع أن تربي أطفالها كما تريد هي "بل كما تريد السياسة ورجال الدين والعشيرة".