بغداد - دعاء يوسف:
هناك جيل جديد في العراق لم يعش ما عاشه أجداده من أحداث سياسية تحت نظام صدّام حسين. هذا الجيل يسمع عن حرب إيران وممارسات النظام السابق والدكتاتورية، لكن وعيه تشكّل بشكل مختلف.
لكن الأوضاع غير المستقرة بعد عام 2003 خيّبت آمال الكثير من الشباب الذين لم يعيشوا تحت حكم النظام السابق، رغم أن كثير منهم يتمتعون بحرية أكبر عن الذين سبقوهم، على حد ما تقول المحامية العراقية بشرى عادل (42 عاما).
وتعطي مثالا على ذلك أن الشباب الذين لم يعيشوا تحت حكم النظام السابق استطاعوا المشاركة في التظاهرات وإقامة الحملات والتحدث بآرائهم في أجواء اتسمت بالكثير من المرونة.
لكنها في الوقت نفسه أبدت شكوكا كثيرة حول قدرة هؤلاء الشباب على القيام بتغيير فعلي، رغم أن أمل التغيير لا يفارقهم.
وتشير إلى أنهم عاشوا تحت تأثير الأفكار المتطرفة والتشدد والطائفية التي تبلورت في عراق ما بعد 2003. وهم أحيانا اتجهوا إلى الفكر المتطرف هرباً من الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
تحسين البيئة الاجتماعية
يجد الناشط المدني والصحافي مصطفى ناصر أن الاختلاف بين الجيل الذي عاصر حكم النظام السابق والجيل الجديد ممن لم يذق مرارة الحكم الدكتاتوري يكمن في ترتيب الأولويات.
ويقول "جيلنا يرى أن أولى الأولويات هو حرية التعبير والحريات بشكل عام، بينما يرى الشباب الجدد أن أولوياتهم تكمن في البنى التحتية لمستقبلهم، وهي التوظيف والعمل وإكمال الدراسة، وبعضهم يتوق إلى مغادرة البلد".
وأمضى طلبة وأساتذة لكليات عديدة، بجامعة بغداد، سنوات في دراسة شخصيات الشباب بعد العام 2003. وقد أيدت استطلاعاتهم للرأي الذي يشعر بها الكثير من العراقيين إن الجيل الحالي من الشباب لا يهتم بضرورة حرية التعبير عن الرأي على قدر ما يهتم بتأمين حياة مستقرة اقتصاديا.
ويرى مصطفى أن الهم الذي اسمه حرية التعبير قد غاب عن جيل الألفين والتسعينيات، وهو أحد انعكاسات الأحداث التي مرت بها البلاد بعد 2003، لا سيما أن هؤلاء الشباب نضجوا وكبروا في ظل فوضى إدارية وقانونية وسياسية عمّت العراق. ويعتقد جلهم أن تنظيم هذه الفوضى سوف لن يقوض الحريات العامة والخاصة.
من خلال اطلاع مصطفى على جملة من التجارب الشابة في العمل الصحافي والعمل التطوعي، يرى أن الشباب من نهاية التسعينات وبداية الألفين يعبرون عن شعلة أمل وتفاؤل وتطلع لمستقبل أفضل، لكنهم عادة ما يصطدمون بصراعات اجتماعية وسياسية تدفع بعضهم في الكثير من الأحيان إلى التفكير بمغادرة البلد.
وثمة مسألة أخرى تفسر رغبة أبناء هذا الجيل الذين لم يعاصروا الحقبة الدكتاتورية وهي المشاركة بمعظم الفرق الشبابية التطوعية، ما يشير إلى أنهم يطمحون الى تحسين بيئتهم الاجتماعية، بحسب رأيه.
ويضيف "رغم أن الفروقات كبيرة بين الجيلين على صعيد الأيديولوجيا الفكرية، لكن الجوانب الإيجابية لدى الشباب الجدد مدعاة فخر، في ظل ارتفاع مؤشرات البطالة وخط الفقر، وتدني مستوى التعليم، وتعاظم نسب الأمية".
التغريب المتعمد
يختلف رأي باسم مردان عن رأي مصطفى، فهو يرى أن الشباب العراقي الآن يتعرض لحملات تجهيل وتهميش منظمة "لا تكاد جهات عقائدية أو اثنية أو سياسية، محلية أو إقليمية إلا وتورطت بها".
ويقول إن الاستقطاب الطائفي والسياسي الذي عاشه العراق والمنطقة خلال السنوات الاخيرة يقتضي دائما التأكد من وجود آلاف من الشباب الجاهل واليائس ليلعب دور كبش الفداء في صراعات قائمة أو محتملة.
"في أجواء مثل هذه، لا بد لكل الأطراف التأكد من امتلاء ما أسميه ببنك الدم وهم الآلاف من الشباب الذين لا يتردد أي طرف من الأطراف بزجهم في معارك محلية أو إقليمية أو لاستخدامهم كقوة عمياء حتى في الصراعات السياسية غير المسلحة، تكون كفيلة بترجيح كفة أحد الفرقاء على منافسيه أو خصومه".
وفي الواقع، حسب باسم وهو كاتب ويعمل في مجال الترجمة، هناك الكثير من الأدلة التي تؤيد ذلك، مثل غياب المؤسسات العلمية والتثقيفية الرصينة وغياب مظاهر الحياة السياسية الصحية، البطالة الناتجة عن الفساد السياسي والإداري، وغياب الفن، وترسيخ فكرة اليأس من المستقبل.
"هذه ليست مجرد أعراض جانبية (بريئة) لحالة الفوضى التي يعيشها العراق، بل هي عوامل مهمة يعمل جميع الأطراف على المحافظة عليها كجزء من المشهد العام للمحافظة معهم على مصالحهم الشخصية".
واهتم باسم أيضا بمسألة أخرى، تتعلق بالإفقار المتعمد والتجهيل المتعمد والتغريب المتعمد لأجيال كاملة كونه "يوفر البيئة المناسبة لعملية غسل الدماغ الجماعي الذي يتعرض له الشباب العراقي".