المسن اليمني جمعان قشيبان برصيف شارع وسط صنعاء/ارفع صوتك
المسن اليمني جمعان قشيبان برصيف شارع وسط صنعاء/ارفع صوتك

في العاصمة اليمنية صنعاء، توجد دار وحيدة لرعاية المسنين تديرها “بعثة الإحسان الكاثوليكية”، ومقرها الرئيس في مدينة كالكتا الهندية.

لكن لم يكن من السهل على مراسل موقع (ارفع صوتك) الدخول إلى الدار المفروضة عليها إجراءات أمنية مشددة، في أعقاب هجمات مسلحة لمتطرفين إسلاميين استهدفت مستشفيات ودوراً لرعاية المسنين تديرها مؤسسات خيرية مسيحية في اليمن خلال السنوات الماضية.

وقال موظف أثيوبي في الدار طلب عدم ذكر اسمه، “لدينا 115 حالة غالبيتهم من المعاقين حركياً من الذكور والإناث المشردين في الشوارع والمحالين إلينا من أقسام الشرطة، لكن ليس جميعهم مسنين”.

اقرأ أيضا:

إنفوغرافيك- 27 مليون عربي فوق الـ60

أضاف “نقدم لهم بعض الأدوية ووجبات غذائية وكراسي متحركة ووسائل الراحة والنوم”.

وأشار إلى أنهم أوقفوا استقبال أي مسن “سليم ومعافى مهما بلغ سنه ووضعه الاجتماعي والصحي، المركز يمارس عمله بشكل خيري وإنساني”.

وما زالت دار المسنين والعجزة التي تديرها مؤسسة الأم تريزا في مدينة عدن الجنوبية تمارس عملها رغم تعرضها لهجوم إرهابي مطلع آذار/مارس 2016 خلف 16 قتيلاً على الأقل، بينهم أربع راهبات كاثوليك.

مراكز المسنين

ويعاني الآلاف من المسنين في اليمن (60 عاماً فما فوق) الذين يشكلون، وفقاً لتقديرات رسمية نحو 4 في المئة من إجمالي السكان البالغ 27 مليون نسمة، ظروفاً معيشية صعبة بسبب تخلي أسرهم عنهم مع غياب أي رعاية أو اهتمام حكومي.

يقول عبده الحكيمي، وهو وكيل أول وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في صنعاء، لموقع (ارفع صوتك) إن “رعاية المسنين في اليمن وتلبية احتياجاتهم الصحية والنفسية والجسدية والاجتماعية غائبة تماماً عن سياسات الحكومات اليمنية المتعاقبة”.

ويوضح أنه لا يوجد قانون لهذه الشريحة، مضيفاً أن “قانون الرعاية الاجتماعية النافذ تعرض بفقرة من فقراته على استحياء للمسنين، ولا يعمل بها”.

ويفتقر اليمن إلى مراكز خاصة برعاية المسنين، حيث يشير الحكيمي إلى أنه حتى العام 2000 كان هناك 7 مراكز لرعاية المسنين في سبع محافظات يمنية بعضها تديرها منظمات دولية، لكن كثيراً منها تحول لاحقاً إلى “مراكز لاستقبال الحالات النفسية” على حد قوله.​

أحوال صعبة

بعد أن تخلى عنه أبناؤه الأربعة بذريعة عجزهم عن الانفاق عليه، اضطر الأب السبعيني جمعان قشيبان، للعمل بجمع وبيع العلب البلاستيكية الفارغة مقابل مبلغ زهيد يسد به رمقه.

“بعض الأيام أنام بدون طعام”، قال الرجل ذو البشرة السمراء الذي يقطن خيمة بلاستيكية قام بنصبها على رصيف شارع رئيس وسط العاصمة اليمنية صنعاء.

بالقرب من خيمته الصغيرة الممزقة، جلس الرجل المسن الذي يكسو الشعر الأبيض رأسه ولحيته، ليأخذ قسطاً من الراحة، بعد ساعات من العناء تحت لهيب الشمس الحارقة. 

يؤكد قشيبان الذي اشتغل لسنوات عامل نظافة في معسكر تابع لوزارة الداخلية بصنعاء عدم حصوله على أي حقوق أو مساعدات من جهة حكومة أو غير حكومية.

“استغنوا عني، وليس لدي راتب تقاعدي”، أضاف الرجل الذي كان يبدو حزيناً بسبب تنكر أبنائه له بعد أن أفنى سني عمره بالاشتغال في أعمال شاقة من أجل توفير لقمة العيش لهم وتربيتهم.

ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة لفاطمة علي، وزوجها المعاق حركياً علي عبده (67 عاماً).

“عندما قامت الثورة ضد الإمام (عام 1962)، كنت قد أنجبت ولدي الأول، والآن كما تشاهد أنا وزوجي نتسول من أجل لقمة العيش، لم تقدم لنا الدولة شيئا”، قالت فاطمة التي فقدت معظم أسنانها، فيما كانت تسير خلف زوجها الذي كان يحبو بصعوبة على رصيف شارع عام غربي مدينة صنعاء.

وأضافت المرأة التي تقطن مع وزوجها غرفة صغيرة بالإيجار شمالي صنعاء “ابني عامل في مخبز ولا يستطيع الإنفاق علينا، وابنتي متزوجة وظروفها سيئة”.

“كل يوم ونحن على هذا الحال نتسول في شارع من شوارع صنعاء”، تابعت المرأة فيما كان زوجها يهز رأسه متمتماً بكلمات شبه مفهومه بسبب الإعاقة، قائلاً “لا أحد يهتم بنا”.

مسؤولية جماعية

ويعترف عبده الحكيمي، وهو وكيل أول وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في صنعاء، بالتقصير الحكومي حيال هذه الشريحة، محملاً جهات حكومية عدة مسؤولية ذلك بينها وزارات الصحة، والشؤون الاجتماعية، والأوقاف والإرشاد، والمجالس المحلية في العاصمة والمحافظات، فضلاً عن أبناء وبنات هؤلاء المسنين الذين يتخلون عن مسؤولياتهم.

أضاف “نحن كوزارة مهمتنا توفير المأوى وغيره لكن لا تخصص لنا ميزانية للقيام بأي مهام أو تدخلات لناحية هذه الشريحة”.

ولم يخف رفض ومعارضة قيادات سياسية تسليم إدارات بعض دور رعاية المسنين لمنظمات دولية كمؤسسة الأم تريزا ومنظمة الإحسان الهندية، “بحجة المخاوف من التبشير بالمسيحية”.

وتذكر مصادر متداولة بأن هناك نحو 200 مسن ينزلون في 4 مراكز للرعاية في العاصمة صنعاء، وعدن وتعز والحديدة، تديريها منظمات دولية.

ويرى الدكتور أحمد عتيق، وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، أن هناك حاجة ملحة إلى قاعدة بيانات دقيقة لمعرفة واقع المسنين ووضع حلول مناسبة لهم، فيما شدد الحكيمي على ضرورة توفر الإمكانيات المادية والبشرية التي تشمل أيضاً مراكز رعاية واخصائيين اجتماعيين ونفسانيين وعمال نظافة وغيرهم، وإصدار قانون رادع يجبر أيضاً الأبناء ذكوراً وإناثاً ممن لديهم الإمكانية على رعاية والديهم المسنين.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.