“في هذه اللوحة يظهر جنود راحلون، بينما فوهات بنادقهم منكسة وأشلاؤهم واضحة”، قالت الفنانة التشكيلية اليمنية هيفاء سبيع بينما كانت تشير إلى إحدى أعمالها الفنية على جدار غرفة صغيرة تتخذ منها مرسماً في شقة عائلتها متعددة المواهب في صنعاء.
وأضافت “تعمدت تصوير الجنود بهذه الطريقة متمنية فعلاً أن تنتهي هذه الحرب”، قبل أن تلتفت إلى شرح تفاصيل لوحة أخرى.
“هذه اللوحة اسمها خلف الدمار، هنا امرأة وطفل ينظران من خلف دمار سببته الحرب في اليمن ويبدوان حزينين، هذه أول جدارياتي بالرسم في الشارع في آب/أغسطس 2017”، أكدت هيفاء سبيع التي كرست أعمالها خلال الفترة الأخيرة لتجسيد بشاعة الحرب التي دخلت عامها الرابع في اليمن.
“ضحايا صامتون”
وقادت هيفاء (27 عاما)، في آب/أغسطس العام الماضي حملة للرسم على جدران شوارع العاصمة صنعاء تحت عنوان “ضحايا صامتون”، عكست من خلالها على وجه خاص معاناة ضحايا الحرب من النساء والأطفال.
“رسمت العديد من الجداريات في شوارع صنعاء، معظم جدارياتي أرسم فيها ضحايا حقيقيين التقيتهم وتعرفت على قصصهم بعد بحث وجهد كبيرين، فقط القليل من الجداريات تجسيد أو رمز تحكي عن هذه القضية أو تلك”.
وذكرت هيفاء سبيع أن من بين أعمالها الفنية لوحة لامرأة حزينة مع طفلها، يبدو في يدها بقايا فراش ممزق هو كل ما استطاعت حمله بعدما أجبرتها الحرب على النزوح من تعز إلى صنعاء.
اقرأ أيضا:
اليمن.. 50 إلى 100 شخص ينضمون يوميا إلى فئة المعوقين
“مجرد ساق”
ولا تخفي الفتاة التي شاركت في عدة حملات للرسم على الجدران في صنعاء مع عدد من زملائها الشباب، تعرضها للتهديد بالتصفية الجسدية على خلفية رسم جدارية في تشرين أول/أكتوبر 2017 عبرت فيها عن معاناة أهالي أحد المختفين قسرياً.
“الإخفاء القسري جريمة إنسانية لا تغتفر تدفع ثمنها النساء والأطفال، مارستها السلطات طوال عقود، وتفاقمت في الحرب الأخيرة”، قالت هيفاء سبيع التي تخرجت من كلية الاقتصاد بجامعة صنعاء عام 2013، بينما كانت تمسك ريشتها محاولة إكمال لوحة فنية جديدة.
“مجرد ساق” هو اسم لإحدى الجداريات التي رسمتها هيفاء مطلع العام الجاري، جسدت فيها قصة طفل يمني يحمل بين يديه ساقه اليسرى التي بترت بانفجار لغم أرضي خلال الحرب، حيث “بدى الطفل وكأنه يعرض للعالم ساقه المبتورة”.
ولم تنس هيفاء الإشارة إلى انعكاسات الحرب وتداعياتها حتى على أسعار المواد الخاصة بالرسم “بين أسبوع وآخر يرتفع أسعارها 100 في المئة، هذا يحول دون قدرتنا على الشراء وبالتالي تقنين رسوماتنا، خصوصاً وأن أعمالنا هي جهود فردية ذاتية”.
أم الكراهية
من جانبه يصف ذي يزن قايد (23 عاماً)، وهو فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير يمني، الحرب بأنها “أم الكراهية”.
“لم أرسم في حياتي من أجل الكراهية والطائفية والحرب، لست فنانا تشكيليا، ولم أدرسه أكاديمياً، أنا فنان شارع، أعبر عما يعيشه الإنسان في زمن الحرب في هذا العالم القذر”.
أضاف قايد، الذي لا يملك مرسماً خاصاً، “تعلمت الفن في الشارع، وما زلت أتعلمه في الشارع”.
وأشار قايد، وهو طالب جامعي إلى ثلاث لوحات رسمها تجسد بشاعة الحرب في اليمن، إحداها جدارية تصور كائناً يلتهم كل شيء في الحياة، بما فيه “حمامة السلام التي تبدو أكبر من الحرب”، على حد تعبيره.
وتابع قائلا “هذه لوحة رسمتها قبل أشهر في يوم حزين جداً بالنسبة لي، يظهر فيها إنسان أزرق كئيب بسبب كل آلام الحرب حوله والتي جرحته أيضاً في أماكن كثير بجسده”.
وأضاف “رسمت أيضاً هذه البورتريه عن وجه إنسان صقلته الحرب، لا أتمنى سوى السلام والأمن والتعايش في هذا العالم”.
تقييد
إلى ذلك تقر راوية العتواني (27 عاماً)، وهي فنانة تشكيلية يمنية، أن الخوف على أمنها الشخصي حال دون تنفيذها أعمال فنية تجسد بشاعة الحرب، والجرائم الإرهابية في اليمن.
ورغم ذلك قالت الشابة الحاصلة على البكالوريوس من قسم اللغة الفرنسية بجامعة صنعاء، “لدي هنا لوحة تعبر عن العنف ضد الأطفال. حاولت فيها إيصال مدى خوف الطفل وانطوائه وعدم رغبته في الضحك بسبب دوي انفجارات القصف الجوي والمدافع والرصاص”.
وأكدت راوية لموقع (ارفع صوتك) “كفنانة شابة أشعر أني مقيدة بسبب الأوضاع الراهنة، والشيء المؤسف حقاً أن كثيراً من الفنانين باتوا يعملون لصالح هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع في ظل الانقسام القائم”.