نساء نازحات من الجانب الأيمن للموصل يقفن أمام مستشفى ميداني لقوات الجيش العراقي في الجانب الأيسر
نساء نازحات من الجانب الأيمن للموصل يقفن أمام مستشفى ميداني لقوات الجيش العراقي في الجانب الأيسر

قد لا يلفت انتباهك في مستشفى الأورام التعليمي في مدينة الطب ببغداد سوى سناء، وهي تتنقل بين الغرف بحثاً عن أي طبيب أو متخصص يساعدها في إجراء عملية جراحية بالمستشفى بالسرعة الممكنة.

أورام الثدي

سناء النازحة من الموصل منذ 2014 وتقيم في منزل مع أقاربها ببغداد، مصابة بأورام سرطانية في الثدي. في البداية، ظنت أنها مصابة بفقر الدم، ولكن بعد مراجعة العيادة الاستشارية لمستشفى حكومي وإجراء بعض الفحوصات المختبرية اتضح أنها مصابة بورم في الثدي.

تحمل السيدة، وهي في العقد الخامس من عمرها، بعض الأوراق لفحوصات طبية مختلفة، تعرضها على كل طبيب تصادفه في ممرات مستشفى الأورام، فهي تنوي إجراء عملية استئصال الثدي المصاب مجاناً، على أمل أن يسمح لها بذلك دون الالتزام بالموعد الذي حدد لها.

"حدد لي موعد لإجراء جراحة الاستئصال بعد أكثر من ثلاثة أشهر بسبب ازدحام المريضات على المستشفى المجاني، وحالتي الصحية لا تتحمل المزيد من التأخير".

سناء أم لستة أبناء أكبرهم بعمر 11 عاماً. زوجها قُتل على يد عناصر داعش في العام ذاته الذي نزحت فيه من الموصل، وكان هو معيلها. وهي الآن لا تستطيع اللجوء لمستشفى أهلية.

"العملية الجراحية تكلف أكثر من أربعة ملايين دينار عراقي عدا الفحوصات الطبية والزرع التي قد تتجاوز في كل مرة أكثر من 250 ألف دينار عراقي، فيما لو حاولت اللجوء لمستشفى أهلية خاصة".

سرطان الرحم

وتسعى المتخصصة بالأمراض النسائية الدكتورة وئام محمد، وهي أيضا ناشطة مدنية، لمساعدة النازحات في الاستشارات الطبية وتلقي بعض العلاجات والأدوية.

وفي أغلب الحالات، كما تقول، فإن الفقر واليأس من كثرة المعاناة والمصائب وراء عدم قدرة الكثير من النازحات على العلاج في حال إصابتهن بمرض معين. 

وتضيف وئام "عندما تكتشف نازحة ما إصابتها بورم سرطاني، تتمرد أحيانا وتبدأ برفض أي محاولات لمساعدتها في علاج حالتها".

ومن قصص الإصابة بالأورام السرطانية بين النازحات قصة فدوى التي اتضحت إصابتها بسرطان الرحم بعد إجرائها لبعض الفحوصات الروتينية التي ساعدتها على إجرائها.  

عانت فدوى من ظروف اجتماعية صعبة بسبب النزوح ولم ترغب بالتجاوب مع العلاج.

"لا أرغب بالعيش وأريد الموت"، تنقل وئام عن فدوى قولها، وكيف أنها تعمدت إهمال العلاج بعد مدة بسبب الضغوط النفسية التي تعاني منها، حتى انتهت بالفعل مفارقة للحياة.  

الحمل والولادة

السرطان ليس الوجه الوحيد لمعاناة النازحات الصحية. وتقول المتخصصة بالأمراض النسائية الدكتورة ناهدة حسين إن مشكلة النساء النازحات هي فقدانهن للوعي الصحي.

تقول "تجدهن يعشن في أسوأ الأوضاع ويعانين الفقر والحاجة وما زلن يحملن وينجبن الأطفال عاما بعد آخر نزولاً عند رغبة أزواجهن الذين يهددوهن بالطلاق أو بالزواج عليهن بأخريات إذا لم ينجبن الابن الذكر".

تضيف أنها كانت تخشى من حمل النازحات، لأنهن معرضات بشكل كبير للأمراض أثناء الحمل، لعدم إدراكهن للمخاطر الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك سوء التغذية.

وتلفت وئام أيضا إلى رصد نسب كبيرة من الحوامل النازحات اللاتي فقدن حملهن أو تدهورت صحتهن.  "بعضهن صغيرات في السن يحملن من دون تقدير صعوبة الأوضاع".

ولا توجد إحصائيات رسمية عن حالات الإجهاض أو الوفاة أثناء الولادة في مخيمات النزوح. لكن حالات الوفاة أثناء الولادة تنتشر في العراق، وأظهرت أرقام وزارة التخطيط أن نسبة وفيات الإناث بلغت 35 وفاة لكل مئة ألف ولادة حية حسب نتائج مسح خارطة الفقر ووفيات الأمهات لعام 2016.

وتضاعفت خلال السنوات الأخيرة في العراق نسبة النساء المصابات بسرطان عنق الرحم، إذ بلغت النسبة 1.7% عام 2007 ووصلت عام 2016 حسب نتائج آخر مسح إلى 3.8%.

مشاكل وتوصيات

ورصدت الأمم المتحدة في تقاريرها عددا من المشاكل الصحية المتعلقة بالنازحات، ومن ضمنها:

- وجود عدد من النساء الحوامل دون أي رعاية صحية أو أي مستلزمات ولادة.

- عدم وجود وحدة صحية خاصة في جميع المخيمات.

- قلة وجود المرافق الصحية للرجال والنساء بشكل يناسب عدد النازحين.

وأصدرت الأمم المتحدة توصيات بتوفير مراكز صحية متكاملة العدة والعدد في المخيمات الدائمة، سواء من حيث الكوادر الطبية او من حيث المستلزمات الخاصة بالعالج والتداوي، مع مراعاة وجود كادر نسوي في تلك المراكز.

لكن حتى في حال تأمين هذه المراكز، تقول وئام محمد، "هناك نازحات خرجن من المخيمات وغيرهن غير مسجلات رسميا كنازحات. الأزمة ليست فقط في المخيمات، بل في آلاف العائلات التي فُقد معيلها وتركت النساء وحدهن بمواجهة الحياة".

"هذا فضلا عن البيروقراطية في الإدارات. بعض الحالات لا تحتمل الانتظار"، تضيف الطبيبة.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.