نازحات عراقيات ينقلن المياه في مخيمات النزوح/وكالة الصحافة الفرنسية
نازحات عراقيات/وكالة الصحافة الفرنسية

بعد عامين من النزوح في بغداد، كانت إيمان الهاربة من الرمادي برفقة أطفالها الأربعة على استعداد للعمل بأية مهنة... لتوفير لقمة العيش.

في الرمادي، عملت إيمان في خدمة البيوت. زوجها كان يملك عربة بيع جوالة يوقفها على رصيف مدرسة. لكن بعد ظهور داعش وفقدان زوجها، فرت إيمان (46 عاما) إلى بغداد، حيث وجدت عملا في خدمة البيوت، لأنها لا تجيد غير هذه المهنة، حسب قولها.

لكن هذه المهنة، مع ما توفره من لقمة عيش زهيدة، ليست آمنة بالنسبة لسيدة تعيل أربعة أطفال وتسكن بالإيجار غرفة في بيت تعيش فيه ثلاثة عوائل نازحة.

"هذه الأوضاع غير مستقرة. سأعود يوما ما لمنزلي الذي تعرض للهدم في الرمادي، لكني أنتظر تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية هناك".

ومع قلق سكنة بغداد من عصابات السطو والاختطاف والقتل، وفقدان الثقة بالغرباء، تعاني النازحات في سبيل إيجاد فرص عمل مناسبة.

تقول إيمان "أنا أعمل عند عوائل تعرف أختي التي تزوجت في تسعينيات القرن الماضي في بغداد، وتعمل أيضا بالمهنة ذاتها، لذا فهم يثقون بي". 

حجاب الرأس والأوشحة

كريمة إبراهيم (57 عاما) اختارت الجلوس على رصيف قريباً من مستشفى حكومي لبيع قطع حجاب الرأس والأوشحة. تقول "لم أجد غير البيع على هذا الرصيف لتوفير قوت يومي".

أحيانا تتعرض كريمة لـ"الإبعاد" عن الرصيف، أو تبيع سلعها بأقل من الثمن المعتاد، إلاّ أن الوظيفة تحفظ كرامتها، حسب قولها.

وتضيف كريمة التي هربت من الموصل عند اجتياح داعش ومقتل زوجها وهو رجل طاعن في السن ومريض، "لم أجد حلا غير اللجوء إلى بغداد والسكن مع عائلة ابن أختي الذي خصص لي غرفة صغيرة في الطابق الثاني من بيته".

كريمة لا تعرف أحدا في بغداد غير ابن أختها. تقول "أتناول طعامي هنا في الشارع حتى لا أشاركهم في الأكل وأثقل عليهم، لا أريد أن أشعرهم بالعجز تجاهي أو الملل حتى لا يرغبوا بالتخلص من وجودي". 

قرب المساجد

بعض النازحات من محافظة الأنبار، رغم تقدّمهن في السن، وجدن أمام أبواب المساجد فسحة للجلوس وبيع السبح والأدعية الدينية، أو أعواد السواك التي تستخدم في تنظيف الأسنان، بوصفها من العادات الدينية القديمة التي يحرص عليها رواد المساجد. 

تخرج صبحة (62 عاما) قبيل كل أذان من منزل متهالك، تسكنه منذ 2014 برفقة ابنها المقعد وزوجته وأطفالهما السبعة. تقول "عليّ التواجد قرب المسجد مع دخول وخروج المصلين لعرض ما لدي من سلع". 

ومع ذلك، المبالغ التي تحصل عليها لا تسد الحاجة، "لكن الكثير من العوائل تساعدنا في توفير بعض الوجبات الغذائية مثل الرز والخبز والملابس".

قراءة الطالع والبخت

أما في ناحية كرخ بغداد، وتحديدا في منطقة حي الجهاد، فتتجول سيدة متشحة بالسواد بين المحال التجارية والبيوت. وتقول إنّها تتمتع بمهارات عالية في مجال قراءة الطالع والبخت.

وتقول خديجة (54 عاما) إنها بدأ في ممارسة هذه المهنة حديثاً. "لقد كنت أعمل في الحفافة للنساء في البيوت سابقا، لكن بيوت بغداد لا تتقبل الغريبات".

خديجة التي نزحت عام 2014 من صلاح الدين برفقة زوجها وبناتها الثلاث نحو بغداد، تقول إنها لا تفكر بالعودة لصلاح الدين رغم قسوة الحياة في بغداد.

تقول "استغل زوجي فكرة التجوال معي في الأسواق المزدحمة لبيع الأحجار والتمائم التي تستخدم في جلب الحظ وغير ذلك".

العيادات 

بالنسبة لبعض العيادات، فإن انخفاض أجور النازحات فرصة لتشغيلهن. على سبيل المثال، وفرت سلوى علوان، وهي متخصصة بالأمراض النسائية والسونار 200 ألف دينار شهرياً، بعدما وافقت على تشغيل نازحة حاصلة على شهادة الدراسة الإعدادية، ولديها خبرة في الطبابة وزرق الحقن.

تقول سلوى إن أجور العاملات بالعيادات الأهلية تتجاوز 400 ألف دينار، لكن لحاجة النازحات للعمل، فهن يقبلن بمبلغ 200 ألف دينار.

وتضيف "قبولهن بهذه الأجور ليست فرصة منا لاستغلالهن، لكن ما يدخل للعيادة من وارد شهري لا يكفي لتوفير أكثر من 200 ألف للعاملات فيه، عدا الايجار وأجور الكهرباء والحراسة وغير ذلك من نفقات".

وتعترف خولة، التي تعمل في إدارة عيادة الطبيبة سلوى، أنها لا تعتمد على الراتب الشهري الذي خصصته لها. "لقد فتح عملي مع الطبيبة أبواباً للرزق، فهي تسمح لي بزرق الحقن داخل العيادة وخارجها مقابل أجر".

خولة نزحت من الموصل عام 2017 نحو أربيل ومن ثم بغداد برفقة عائلتها المتكونة من أمها وشقيقتها. ترى أن خبرتها في الطبابة التي ورثتها من أبيها، الذي كان يعمل ممرضاً قبل وفاته عام 2013، قد ساعدتهم كثيرا.

"لولا هذه المهنة، لما استطعنا البقاء في بغداد، لأنها جعلتنا نشعر بالاستقرار رغم صعوبة كل شيء".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.