مقاتل عراقي يطلق النار على طائرة مسيرة لداعش في حي الرفاق بالموصل/وكالة الصحافة الفرنسية
مقاتل عراقي يطلق النار على طائرة مسيرة لداعش في حي الرفاق بالموصل

في بداية التسعينيات، اعتادت الصحافة الغربية تصوير المتشددين الإسلاميين على شكل أشخاص ذوي لحى مشعثة، يرتدون ملابس رثة، يحملون بندقية روسية من طراز كلاشينكوف.

تعطي هذه الصورة النمطية إحساسا بأن محاربين بدائيين ينشرون التخلف بقوة السلاح والعنف. 

بشكل عام، ينشر هؤلاء المقاتلون فعلا التخلف بقوة السلاح والعنف، لكن بوسائل حديثة للغاية.

يقول خبير في تقنيات الاتصالات والتشفير، يعمل مع قوة الاستخبارات العراقية "حينما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، يبرهن المتطرفون دائما انهم يتبعون أحدث صيحات الموضة".

يقول الخبير، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "داعش استخدمت أجهزة اتصالات وتشفير وتجسس عالية التقنية في منظوماتهم للقيادة والسيطرة".

الإنترنت كان "نعمة كبرى" للتنظيمات المتشددة.

بدلا من الاتصالات المعرضة لخطر الاختراق، والرسائل الورقية، أو التعليمات التي تنتقل شفاهيا وتحتاج إلى وقت طويل، توفر لهم كبسة زر واحدة إمكانية الاتصال الفوري بأي شخص في أي مكان من العالم تقريبا.

كما أن مبدأ "الخصوصية" الهام جدا كحق من حقوق الإنسان، يساء استغلاله "ببراعة" من قبل المتشددين، الذين يستفيدون من التطبيقات المشفرة لإخفاء آثارهم واتصالاتهم.

وبعد أن كان "التشفير" حكرا على الأقسام السرية من أجهزة المخابرات العالمية، أصبح بإمكان أي طفل في الثالثة عشر من عمره أن يتكلم عن أفلام الكارتون مع صديق ببرامج مشفرة تشفيرا معقدا جدا.

في عام 2013 صمم الشاب الروسي (بافيل دوروف) برنامج "تيليغرام".

بسرعة، اجتذب البرنامج كل الباحثين عن الخصوصية في العالم، بدءا من رجال المال والأعمال والصحافيين والسياسيين، ومرورا بالمعتدين الجنسيين، وإلى الإرهابيين.

يمكن من خلال روابط خاصة تتناقلها المجموعات الإرهابية فيما بينها، الدخول إلى غرف الدردشة الجماعية لتلك المجموعات، والمشاركة بالصوت والكتابة والملتميديا.

بكبسة زر واحدة، وبدون أية إجراءات معقدة، استطاع الإرهابيون إنشاء كهوف "تورا بورا" خاصة بهم، في كل مكان.

بعد ان ازدادت الشكاوى ضد الشركة، أعلنت "تيليغرام" أنها قامت بحذف 78 قناة تابعة للتنظيم المتشدد بأكثر من 12 لغة، لكن الشركة الروسية المنشأ تمتنع عن تزويد أية جهة أمنية بمعلومات مستخدميها. فتعود القنوات إلى الظهور دائما.

ومع كل "فضيحة" تسريب معلومات او اختراق تضرب وسائل التواصل الاجتماعي الكبيرة، مثل فيسبوك، يبدأ المطورون بالتنافس لزيادة تعقيد تشفير برامجهم لكي تكون أكثر جذبا للمستخدمين. كل هذا يشكل كابوسا لدى أجهزة الأمن.

ليس في جانب الاتصالات فحسب.

قطع المتشددون شوطا طويلا من الصور التقليدية على جبال أفغانستان مع الأسلحة الرشاشة والبغال، وإلى الهجمات الإلكترونية المعقدة وقيادة الدبابات وتسيير الطائرات.

"أفادنا التطور التكنولوجي بملاحقة الإرهابيين" يقول المصدر الاستخباري العراقي "لكن الإرهابيين استفادوا منه أيضا، وبصورة كبيرة".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.