مركز المخطوطات في مدينة زبيد القديمة/وكالة الصحافة الفرنسية
مركز المخطوطات في مدينة زبيد القديمة/وكالة الصحافة الفرنسية

لا يخفي أحمد الغُزي، وهو باحث ومؤرخ يمني خشيته من تعرض مئات المخطوطات النادرة التي تزخر بها مكتبته الخاصة للتلف، بسبب افتقاره للإمكانيات اللازمة للحفاظ على هذا المورث الإنساني مع استمرار تصاعد النزاع الدامي في البلاد منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وتحتوى مكتبة الغُزي في مدينة زبيد التاريخية جنوبي محافظة الحديدة غربي اليمن، نحو 500 عنوان لمخطوطات يمنية نادرة في مختلف أنواع العلوم التاريخية والأدبية والعلمية والرياضية، يعود بعضها إلى700  عام، على حد قوله.

اقرأ أيضاً:

اليمن: الحرب تفاقم المخاوف بشأن مصير مدينة زبيد الأثرية

يقول أحمد الغُزي لموقع (ارفع صوتك) “وجدت بعض المخطوطات قد تآكلت بسبب الرطوبة والحرارة. بمجرد أن تمسك بها تبدأ بالتقصف، والمؤسف أننا نفتقر إلى جهاز خاص لترميم المخطوطات”.

وأشار الغُزي إلى أنه اضطر منذ نحو عامين إلى إغلاق مكتبته أمام الباحثين. “أشعر بالقهر كلما شاهدت مخطوطاتي مكدسة داخل حقائب حديدية في المنزل”.

لكن الغُزي يقول إنه بدأ مؤخراً الترويج لهذه المخطوطات عبر صفحة خاصة أنشأها في “تويتر” للفت الانتباه إلى هذا “الكنز الحضاري المهمل من قبل الجهات الرسمية”، على حد تعبيره.

وناشد الحكومة اليمنية و منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التدخل للمساعدة في الحفاظ على تلك المخطوطات وترميمها وفهرستها. “حشرة الأرضة قضت على كثير من هذه الكنوز والمؤلفات التي خلفها علماء يمنيون”.

سخط

وتزخر المكتبات العامة والخاصة باليمن بأكثر من مليون مخطوطة يعود أقدمها إلى ما قبل القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حسب تقديرات باحثين وأكاديميين يمنيين.

وتحتوي دار المخطوطات في العاصمة صنعاء، على أكبر عدد من المخطوطات اليمنية، لكن على ما يبدو فإن هناك سخطاً واضحاً لدى موظفي الدار بسبب عجز سلطات الأطراف المتحاربة عن دفع مرتباتهم للعام الثاني على التوالي.

يقول محمد الأشول، وهو موظف خدمات في دار المخطوطات بصنعاء “مستحقاتنا المالية لم تصرف منذ 2011، ومنذ عامين توقفت رواتبنا”، بينما كان يهم بإغلاق أبواب الدار عند 11 ظهراً معلناً انتهاء الدوام.

هذه الشكوى أكدها أيضاً عرفات الحضرمي، وهو مدير عام المخطوطات في مدينة زبيد، قائلاً إن “عدم صرف المرتبات دفع الموظفين في مجال المخطوطات للانتقال إلى مهن أخرى بحثاً عن لقمة العيش، وبالتالي إهمال المخطوطات تماماً”.

صيانة مستمرة

أضاف الحضرمي “المخطوطات تحتاج إلى تعقيم وتنظيف وصيانة مستمرة وتوثيق وفهرسة لمنع تآكلها. لكن بسبب غياب الدعم المادي والإمكانيات التقنية الخاصة بتصوير المخطوطات أصبحنا عاجزين عن القيام بهذه الأمور”.

وأشار إلى أن مدينة زبيد وحدها تضم أكثر من 26 مكتبة خاصة وعامة غالبيتها أغلقت بسبب تداعيات الحرب وعدم قدرة ملاكها على دفع حقوق ورواتب الموظفين والعاملين فيها.

“يقدر عدد المخطوطات في مدينة زبيد وحدها بأكثر من 10 آلاف مخطوط في علوم الجبر والتاريخ والحديث والأنساب والرياضيات وعلم الحساب والطب وغيرها، لكنها للأسف غير موثقة ومعرضة للتلف”، على حد قول الحضرمي.

ويوضح الحضرمي أن ما هو موثق من مخطوطات في اليمن لا يتجاوز 10 آلاف مخطوطة، معظمها في دار المخطوطات بصنعاء.

وتابع لموقع (ارفع صوتك) “أوجه نداء عالميا لإنقاذ المخطوطات اليمنية، من خلال عملية الحصر والتوثيق، والفهرسة والتصوير وغيرها، نحتاج إلى تنفيذ خطة طارئة في هذا الجانب”.

تهريب

لكن المشكلة لا تقتصر على الإهمال الحكومي، حسب أكاديميين وباحثين في التراث الحضاري اليمني، بل تتعداها إلى عملية تهريب وتغريب وتجارة منظمة للمخطوطات، بدأ مسلسلها في ثمانينيات القرن الماضي، وتوسع كثيراً خلال فترة الحرب الحالية.

ويقول أكاديمي متخصص في الآثار بجامعة صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، “خلال الأشهر الأربعة الماضية فقط تم تهريب أكثر من 600 قطعة أثرية ومخطوطة نادرة من جزيرة سقطرى وحدها”.

ويذكر الخبير أن بعض المخطوطات اليمنية النادرة والقيمة وجدت مكتوبة على الرق وجلود الغزال.

وأضاف “كثير من الناس يجهلون القيمة الأثرية لهذه المخطوطات وبالتالي يفرطون بها، ودفعت الظروف الاقتصادية المتردية بعض الأسر إلى بيع المخطوطات التي يحتفظون بها في منازلهم”.

وفي دراسة بعنوان “الإنتاج المعرفي لعلماء اليمن في القرنين السابع والثامن الهجريين”، يقول الدكتور محمد العروسي، وهو أستاذ العمارة والآثار الإسلامية، إن عملية تهريب المخطوطات من اليمن مستمرة منذ عقود طويلة.

وأشار على سبيل المثال إلى أن هناك حوالي 250 ألف مخطوطة يمنية في تركيا، ونحو60 ألف مخطوطة في بريطانيا.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.