ضرب القاضي بمطرقته الخشبية الصغيرة على الطاولة مناديا سميحة الأسدي للمثول أمامه للاستماع إلى دعواها القانونية التي طالبت فيها بنقل “ولاية أمر زواجها” إلى المحكمة، بعد أن رفض والدها عقد قرانها على شاب تقدم إليه طالبا يدها للزواج.
لم يكن يخطر على بال الشابة الثلاثينية التي تنحدر من أسرة ريفية غربي اليمن، أن تمردها على عادات وتقاليد المجتمع، سيكلفها حياتها على يد شقيقها الذي بادرها بطعنة قاتلة، داخل قاعة المحكمة في صنعاء يوم الاثنين (9 نيسان/أبريل 2018).
“باغتها بغرس سكين صغيرة في رقبتها، بينما كان القاضي منشغلا بالأوراق بين يديه”، قال شاهد عيان فضل عدم ذكر اسمه.
وأضاف لموقع (ارفع صوتك) “أصيب الجميع بالذهول من هول الصدمة.. حاولت المرأة جاهدة أن تزحف مستجيرة بالقاضي، لكنها سرعان ما سقطت على الأرض خائرة القوى دون حراك”.
وعلى الفور أمر القاضي بحجز الجاني البالغ من العمر 19 عاماً، واعتقال والده الذي اعترف بتحريض الابن على قتل شقيقته التي لم ترتكب أي جرم سوى اصرارها على حقها بالزوج من الشخص الذي تريد.
اقرأ أيضاً:
زواج السمر من البيض في اليمن.. محظور اجتماعيا!
الأهلية
ولا يحق للمرأة وفقا لقانون الأحوال الشخصية اليمني أن تزوج نفسها، ويشترط القانون “وجود ولي أمر لإتمام عقد الزواج، خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة للرجل”، كما تقول نبيلة المفتي، وهي محامية وناشطة حقوقية يمنية بارزة.
أضافت “القانون استند على المذهبين الشافعي والزيدي اللذين يشترطان وجود الولي وشاهدين ليكون عقد الزواج صحيحاً، وتجاهل المذاهب الأخرى كالمالكي والحنفي”.
وحسب المحامية نبيلة المفتي، فإن المرأة وفق هذا القانون “ليست لديها الأهلية الكاملة لإجراء عقد يتعلق بحياتها الخاصة، مهما كان عمرها أو مستوها التعليمي والوظيفي”.
وينص قانون الأحول الشخصية على أنه في حال “عضل (امتنع) ولي المرأة، أمره القاضي بتزويجها، فان امتنع زوجها القاضي”.
و“العضل” هو مصطلح فقهي يقصد به شرعا “امتناع ولي المرأة _أبا كان أو أخا أو عما أو خالا_ عن تزويجها ممن ترغب”.
يقول إبراهيم بشير، وهو أمين سر محكمة غرب العاصمة صنعاء التي لقت فيها سميحة الأسدي حتفها، “هذه الفتاة تقدمت إلى المحكمة بدعوى عضل على والدها الذي رفض تزويجها ممن ترغب، وقد ثبت للقاضي ذلك، لكن قبيل إجرائه عقد النكاح وفقاً للقانون استبق شقيقها كل شيء بطعنها بالرقبة، وأرداها قتيلة على الفور”.
تابع بشير لموقع (ارفع صوتك) “حادثة القتل هذه تعتبر الأولى من نوعها… تم سجن الجاني وسيتم التعامل معه وفقاً للقانون”.
قضايا
وتفتقر السلطات الرسمية في اليمن إلى إحصائيات دقيقة حول الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم من فتيات بشأن نقل ولاية زواجهن إلى القضاء، لكن إبراهيم بشير أكد أنهم يتعاملون مع قضايا كثيرة من هذا النوع.
وأكدت المحامية نبيلة المفتي ترافعها في دعاوى “عضل” عديدة، تم بموجبها “إلزام الأب أو من ينوب عنه بإجراء عقد الزواج بمن اختارته البنت أمام المحكمة نفسها”.
رأي الدين
ويرى الشيخ جبري إبراهيم، وهو وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد في صنعاء، أن وجود الولي من وجهة نظر الدين الإسلامي هو شرط من شروط الزواج، “لحماية المرأة لا الحرمان”.
أضاف الحديث النبوي نص على أنه “لا نكاح إلا بولي وشاهدين عدلين”، لكنه أكد أنه لا يجوز شرعا للولي أن يقف حجر عثرة أمام زواج البنت فيمن ترغب، وإلا فإن “لها الحق في اللجوء إلى القضاء لنقل ولاية تزويجها”.
وخلافا لتشديد الشيخ جبري على اشتراط الشريعة الإسلامية وجود الولي لصحة عقد الزواج، ترى المحامية نبيلة المفتي أن هذه المسألة خلافية بين الفقهاء.
أضافت لموقع (ارفع صوتك) “لا نستطيع القول إن الإسلام حسم هذه المسألة، لأن هنالك مفاهيم مختلفة، وبالتالي الإسلام هو أيضاً ما نفهمه من أبي حنيفة الذي أعطى المرأة الحق في تزويج نفسها”.
اقرأ أيضاً:
يمنية تحدّت زواج القاصرات: لا.. ما زلت طفلة
حلول
وانتقدت المفتي التناقض الواضح بين قانون الأحول الشخصية اليمني الذي ينص على عدم أهلية المرأة في عقد زواجها، وبين القوانين المدنية الأخرى في اليمن التي تعترف بأهلية المرأة كاملة في قضايا البيع والشراء والتملك وتولي الإدارة العامة والخاصة بعد تجاوزها سن 18 عاما.
وترى أن قانون الأحوال الشخصية اليمني يكرس عدم المساواة بين الرجل والمرأة.
وضربت مثالاً على ذلك بأن “هذا القانون يجيز الطلاق للرجل منفرداً، بينما يوجب على المرأة إذا أرادت فسخ الزواج كراهية التقدم بدعوى للمحكمة، وتبرر أسبابه”.
وشددت نبيلة المفتي على ضرورة ادخال تعديلات قانونية تكفل للبنت (المرأة) الحق الأصلي في إجراء عقد الزواج بشخصها وتحمل كامل تباعاته.
كما أكدت على أهمية “نشر الوعي بين الناس بأن الزواج هو علاقة شراكة بين المرأة والرجل وليس بين أهل المرأة والرجل”.