علي عبد الأمير وأحمد الحسناوي
على امتداد عقود شكلت المدارس المهنية في العراق، مورداَ اقتصاديا داعماً للسوق المحلية بمنتجات غذائية وحيوانية وأخرى من معدات صناعية كانت تنتج في ورش تلك المدراس ومعاملها التي كانت تنقل العلوم من الدرس النظري إلى التطبيقي.
فروع المدارس كانت في العلوم الصناعية والتجارية والزراعية والفنون التطبيقية، وعملت على سد حاجة المصانع والمزارع العامة والخاصة وقطاعات سوق العمل إلى أيد عاملة متعلمة مثلتها الكوادر الوسطية (مساعد مهندس، مساعد طبيب، مساعد إنتاج وغيرها من الاختصاصات المهنية والعملية).
هذه المدارس يصل عددها في بابل إلى 16، وهي موزعة بين مركز المحافظة وأقضيتها ونواحيها، لكنها لم تعد تؤدي الدور الرائد لها بسبب "نقص الأجهزة والمعدات والمختبرات".
تدرّس مختلف الاختصاصات في الكهرباء والميكانيك واللحام والمعادن والسياحة والتربية الأسرية وصيانة المصاعد الكهربائية والأجهزة الطبية، حسبما يؤكده مدير التعليم المهني في بابل المهندس نادر محمد عبد الأمير.
وعاشت المدارس المهنية مرحلة ازدهار بدأت في ستينيات القرن الماضي حين صدر " نظام المدارس المهنية" في قانون برقم 20 لعام 1965 ووصلت أوجها في الثمانينيات، "نظرا لوجود قوانين وتشريعات فاعلة وداعمة لها، والتي كانت توفر بيئة مالية للطالب والكوادر التدريبية ومحفزا لهم"، يوضح المهندس عبد الأمير.
ويتفق عدد من مدراء بعض المدارس المهنية في بابل على أن غالبية مدارسهم لا تمتلك الحد الأدنى للمواصفات القياسية للتعليم المهني، كما هو الحال في بناية إعدادية الصناعة في الحلة، والتي طالها التدمير إبان الحرب في 2003.
وتعتقد المديرية العامة لتربية محافظة بابل، أن قلة التخصيصات المالية للمدارس المهنية وتراجع عدد المقاعد المخصصة لخريجي التعليم المهني في الجامعات، انعكسا سلباً على مستوى تلك المدارس، كما يؤكد مدير تربية بابل، حسين خلف السالم.
عمل الشباب ينقذهم من اليأس والتطرف
ويرى عدد كبير من طلبة المدارس المهنية في بابل أن الحصول على قروض ميسرة من المصارف بات ضرورة ملحة لتحويل أحلامهم إلى واقع بعد انهاء الدراسة ولإبعادهم عن كوابيس البطالة ونتائجها.
وكشفت مرحلة المواجهات الطائفية في مناطق من شمال بابل خلال السنوات 2005-2009 ومن ثم 2012 -2017، عن انضمام أعداد كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل إلى المجموعات المتطرفة والخارجة على القانون.
يقول حسين مشتاق، طالب مرحلة ثانية بقسم السيارات "نفسي أعمل في ورشة لتصليح السيارات، فمن خلال دراستي النظرية طوّرت قابلياتي المهنية، لكنني أطمح لفتح ورشة صغيرة خاصة بي، وتلك الرغبة لا تتحقق إلا من خلال القروض وإلا سأكون واحداً من آلاف العاطلين".
وشهد شمال بابل نشاطا لمجموعات سنية متطرفة مسلحة، تعرضت إلى نكسة كبرى بعد هزيمة داعش في منطقة جرف الصخر وجوارها، بمقابل نشاط لمجموعات شيعية متطرفة مسلحة وسط المحافظة وجنوبها، حاولت الحكومة إخضاعها للقانون العراقي. وبين هذين التطرفين يقع الكثير من الشباب العاطل عن العمل.
في مواجهة العنف
وفي مؤشر على مواجهة التعليم المهني في البلاد لقيم العنف والإرهاب، بدأت إعدادية الرمادي الزراعية بتأهيل بنايتها التي تعرضت إلى تخريب تنظيم داعش الإرهابي. كما قامت الإعدادية بصيانة ساحبتين زراعيتين وإعادتهما للعمل في الحقول التطبيقية و بجهود ذاتية من إدارة المدرسة وطلبتها.
وواصلت الإعدادية مشوارها التدريسي بتنفيذ درس عملي لطلبتها عن كيفية مد الأنابيب البلاستيكية لزراعة وسقي الخضار الصيفية.
كان مبناها مقرا لداعش
وفي إطار متصل، فتحت "إعدادية الانتصار المهنية" في الساحل الأيمن من مدينة الموصل، أبوابها مجددا بعد أن كانت مقرا لتنظيم داعش وعوائل إعضائه، وبدأت عمليات الترميم والتنظيف من قبل الكادر التدريسي والطلبة، في مشهد يؤكد قدرة العلم والمعرفة على تجاوز قوى الإرهاب والظلام والعنف.
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 001202277365