مقاتلون من جبهة النصرة بمدينة حلب سنة 2013
مقاتلون من جبهة النصرة بمدينة حلب سنة 2013

يروي سكان إدلب قصص اعتقالات ومضايقات متكررة يتعرضون لها من عناصر ينتمون لما يسمى بـ"منظمة سواعد الخير" التابعة لهيئة تحرير الشام في مدينة إدلب السورية (شمال).

تشبه هذه المنظمة الشرطة الدينية، وينفذ أعضاؤها انتهاكاتهم تحت غطاء "حملات دعوية".

تأسست "سواعد الخير" السنة الماضية عقب سيطرة هيئة تحرير الشام الكاملة على إدلب بعد اشتباكات عنيفة مع "أحرار الشام".

وتعرّف نفسها على أنّها "مركز للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وشعارها "نحو مجتمع إسلامي راق".

تقول "سواعد الخير" إنها "السلطة التنفيذية التي تقوم بالرقابة الشرعية على كل مفاصل المجتمع".

وتصف كل من ينتقدها "بالجاهل" أو "صاحب الفحشاء" الذي "يريد أن يبقى على حاله".

تقول "سواعد الخير" إن هدفها هو وضع نظام وقانوني شرعي ملزم

الناشط الحقوقي أمجد. ع الموجود في إدلب حاليا يقول إن المنظمة تتلقى دعمها من "وزارة الأوقاف" التابعة لحكومة الإنقاذ التي أعلنتها تحرير الشام.

 

 

 

 

دوريات أمنية

تتكون الهيئة من عدد غير معروف من العناصر، رجالا ونساء، يحملون بطاقة تعريفية تدعى "بطاقة عضوية سواعد الخير".

وتسير دوريّات في الساحات العامة والحدائق وتدقق في بيانات المارة وأوراقهم الثبوتيّة للتأكد من صلة القرابة بين الرجال والنساء.

مع إطلاقها منتصف العام الماضي، انتشر موظفو "سواعد الخير" في شوارع إدلب. ودعوا إلى التوقف عن الاستماع للأغاني ومنع الاختلاط بين النساء والرجال و"التبرج".

ويطارد عناصر الهيئة مدخني ومروجي الأرغيلة ويكسرون معداتهم ويعتقلونهم أحيانا.

وأبلغت المنظمة كافة المقاهي في إدلب بالتوقف عن عرض مباريات كرة القدم لأنها "مضيعة لوقت المسلمين".

مكتب "توثيق انتهاكات جبهة النصرة"، الذي يتكون من ناشطين شباب في تركيا وداخل سورية، يقول إن الهدف الحقيقي هو "ملاحقة المحلات التجارية بحجة تطبيق الشريعة".

أبو فرات الإدلبي، وهو اسم حركي لإعلامي في العشرينات من عمره يعيش في إدلب، يقول لموقع (ارفع صوتك): "من اسم المنظمة تظن أنها خيرية ولكن مهمتها الأساسية دعوية وأحيانا أمنية".

ويتابع الناشط الإعلامي، موضحا بعض مهام القسم الرجالي الهيئة: "يبحثون عن كل محل حلاقة يخالف مبادئهم أو محل ألبسة أو عطور بضع مالكوها ملكانات غير محتشمة (تماثيل لعرض الألبسة عليها). يعتقلونهم أحيانا ويفرضون عليهم غرامات مالية أحيانا أخرى. يعتقلون أيضا الشباب في شوارع المدينة إذا كانوا لا يلبسون لباسا يراعي معتقداتهم".

أما مهام قسم النساء، فيقول الإدلبي: "نساء المنظمة التابعة للنصرة، يجرين دوريات على مدارس البنات، ويعتقلن كل فتاة لا تلبس لباسا محتشما بشكل مطلق، مثلا إن كان المانطو قصيرا فيعتقلونها، أو كانت إن تضع بعض المكياج على وجهها".

في مدينة سلقين بريف إدلب، قام عناصر "سواعد الخير" بتغريم أصحاب محلات بيع الألبسة النسائية بسبب عدم تغطية وجوه العارضات أمام واجهة المحل. وفرضوا أيضا إزالة صور النساء من الألبسة.

 

 

اعتقال وتوقيف

في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، اعتقلت "سواعد الخير" متطوعين يعملان في "فريق ملهم التطوعي" من أمام مكتب الفريق في إدلب وصادرت سيارة تابعة للفريق.

وكتب مدير الفريق عاطف نعنوع على صفحته في فيسبوك أن المتطوعين المعتقلين هما محمد نور طحان وسليمان طالب.

بررت المنظمة اعتقالها بـ"الاشتباه بتورّطهما بأعمال أمنية".

وفي الشهر نفسه، أوقفت باصات النقل الداخلي المجانية التابعة لمنظمة "بنفسج"، واعتقلت السائقين بتهمة الاختلاط داخل الباصات.

ويظهر الفيديو بثته قناة "إدلب بلوس" على يوتيوب بعضا من هذه الانتهاكات.​

​​

وامتدت مضايقات "سواعد الخير" إلى المشافي من أجل متابعة "اللباس الشرعي" ومنع الاختلاط.

وذكر تقرير صادر عن منظمة "سوريون من أجل العدالة والحقيقة" أن المنظمة بدأت بإلزام الموظفين والمراجعين في جميع المشافي بالتقيد "باللباس الشرعي".

ومارست ضغوطا على "مديرية الصحة" في محافظة إدلب من أجل إصدار تعميم بهذا الأمر. ورد عدد من الأطباء ومدراء المشافي في مدينة إدلب بإصدار بيان رفضوا فيه أي تدخل في شؤون المؤسسات الطبية.

بيان "مديرية الصحة" في إدلب حول الالتزام باللباس الشرعي

​​

​​​​​غضب متزايد

أحدثت انتهاكات "سواعد الخير" موجة غضب واسعة في إدلب.

يقول مصعب، وهو شاب يعيش في المدينة لموقع (ارفع صوتك)، "أكثر حادثة أحدثت غلياناً شعبياً في إدلب، هي تلك التي حصلت في الشهر الفائت، عندما حاولت نساء من جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام بالتعاون مع عناصر منظمة سواعد الخير اقتحام مدرسة العروبة للبنات في إدلب".

ويضيف "كانت حجة الاقتحام هي تطبيق اللباس الشرعي. وأدى ذلك إلى رفض المعلمات وإدارة المدرسة دخول التابعين للهيئة إلى المدرسة، وحصلت مظاهرات ضمن ساحة المدرسة تنديدا بتصرفات المنظمة، ومن ثم تم طردهم رغم أن المنظمة استدعت رجالا مسلحين من هيئة تحرير الشام".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.