العنف يدمر الحاضر والمستقبل
العنف يدمر الحاضر والمستقبل

بعد تحرير الشرقاط من قبضة داعش، باتت أم عامر (60 عاماً) تعيش مع أربعة من أولاد ابنها وزوجته في "مخيم الشهامة" شمال تكريت. هذا ما تركه لها عامر الذي أنتمى لداعش اثناء سيطرته على مدينة الشرقاط.

تقول: "ذهب عامر للقتال مع داعش في الموصل، ولا أعرف عن مصيره شيئا منذ ذلك الوقت".

وبحسب صدّام الجوعاني، الموظف في منظمة إنسانية تقدم المساعدة في "مخيم الشهامة" فإن أعداد عائلات المنتمين للتنظيم الإرهابي تبلغ الآلاف، وتتوزع على عدد من المخيمات الخاصة جنوب الموصل والأنبار، لافتا إلى أن هذا الملف "من أعقد الأمور التي تواجه المجتمع في مرحلة ما بعد داعش".

عدد عوائل الدواعش منذ تحرير تكريت، وبدء تشييد المخيمات في الخامس من أيار/مايو عام 2015، توزع على النحو التالي:

"مخيم الشهامة": يضم حاليا  950 عائلة، رحل الجزء الأكبر منها كل حسب منطقة سكناه، المتبقى منهم 95 عائلة من بيجي وتكريت والشرقاط.

"مخيم العلم": ضم 1200 عائلة، بقي منها حوالي 450 عائلة غالبيتها من مدن تكريت وبيجي والعلم والقرى المحيطة بها.

"مخيم بستان الشيوخ": في الشرقاط، ضم 720 عائلة عاد نحو نصفها. وكانت السلطات الحكومية في صلاح الدين أكدت وجود اتصالات بين عوائل الدواعش من الشرقاط وأبنائها المقاتلين في صفوف التنظيم الإرهابي داخل مدينة الموصل قبل تحريرها، وهو ما استدعى إجراءات بحق تلك العوائل على حد وصف المحافظ أحمد عبد الله الجبوري في تصريح إلى "الحرة".

​​

الجانب الاجتماعي- العشائري

لا إحصائية دقيقة عند الحكومة المحلية لمحافظة صلاح الدين، لعدد العوائل التي أنتمى أبناؤها إلى تنظيم داعش، لكنها "تخشى الإفراج عنهم خوفاً من عمليات انتقام قد يتعرضون لها في محيطهم.فقد كان أهالي منطقة القيارة في نينوى قد طالبوا بإبعاد العوائل المتهمة بالتعاون مع داعش من مناطقهم.

​​ويعتقد عبد سلطان عضو مجلس محافظة صلاح الدين، إن مصير هذه العوائل مجهول "دون توفير جو ينتشلهم من هذا المأزق".

 وتقول زميلته آمنة حميد إن كثيرا من أفراد عوائل داعش قتلوا في معارك تحرير الموصل من التنظيم الإرهابي.

وبعد قرار أصدرته الأمانة العامة لمجلس الوزراء بإرجاع النازحين وغلق جميع مخيمات النزوح في  صلاح الدين، "شكلت المحافظة فريق عمل بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية لإعادة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم دون ضغط"، يقول نائب محافظ صلاح الدين، عمار حكمت.

لا أحد يكفلهم؟

وتبدو مهمة هذا الفريق هي "العمل على برامج خاصة في كيفية تأهيل أفراد عوائل الدواعش واعادة دمجهم في المجتمع، لكن ما يعيق عمل الفريق هو عدم وجود من يكفل هذه العوائل، لتسهيل خروجها من مخيمات الاحتجاز".

ويرسم نائب محافظ صلاح الدين، خارطة أخرى لعوائل من انتمى إلى داعش "حسب معلوماتنا الاستخباراتية هناك منها من هرب إلى سورية ومنها من يتواجد في المناطق الصحراوية غرب المحافظة".

ويوضح مدير ناحية يثرب، حارث عبد النبي مخاوف تتعلق بعودة عوائل داعش، "لا بد من التأكد منها أمنيا واستخباراتيا، وإعلانها البراءة من أبنائها المتورطين"، مؤكدا "لدينا 700 أمر قبض على أشخاص منتمين إلى داعش قد يعودون مع عوائلهم في حال التحقق والتدقيق".

أحلام تكريت الصدّامية

خلال سيطرة تنظيم داعش على مدينة تكريت في حزيران/يونيو  2014 أنضم العشرات من شباب مدينة تكريت ومحيطها إلى داعش لدوافع الانتقام من الحكم الحالي أو بسبب أحلام قديمة في أن يعود الحكم الصدامي من جديد، يقول المواطن محمد عمر.

وبعد تحرير تكريت في 31 آذار/مارس 2015 وطرد داعش منها، قُتل العشرات من أولئك الذين انضموا للتنظيم الإرهابي، فيما فرّ أكثر من ثلثي عوائل داعش إلى الحويجة والشرقاط والموصل، ومن ظل منها فهو "منبوذ وسجين بيته خوفا من الخروج إلى الشارع ومواجهة الناس".

خوف أفراد عوائل الدواعش من الخروج إلى الشارع يأتي "خشية تعرضهم للقتل انتقاما مما قام به ابناؤهم من جرائم أو الإهانة في أحسن الظروف، وعادةً ما يكون بقاؤهم في المدينة مشروطاً بكفالة أقاربهم أو معارفهم المنتمين للأجهزة الأمنية أو الحشد الشعبي".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.