لا يزال صوت سحب زلاقة المسدس وهو ينتظر أن تنطلق الرصاصة على رأسه يرن في أذن أحمد عبدالكريم (47 عاما).
كان محكوما على عبدالكريم بالإعدام، لكن الرصاصة لم تنطلق. المسدس كان فارغا من الرصاص.
كان هذا أحد أنواع التعذيب الذي مارسه مسلحو داعش على المعتقلين لديهم خلال أكثر من ثلاثة أعوام من سيطرتهم على الموصل.
أصيب عبدالكريم بمرض السكري متأثرا بالتجربة.
في إحدى الليالي، أبلغه مسلحو داعش أنهم سيعدمونه صباح اليوم التالي، وسلموه الزي البرتقالي كي يرتديه، وأوصوه بالصلاة.
في الصباح، قيّد مسلحو داعش يديه من الخلف وعصبوا عينيه وأركبوه في إحدى السيارات . "بعد أن سارت بنا السيارة نحو نصف ساعة، أنزلوني منها وأجلسني أحدهم بقوة على ركبتي. كنت أنتظر الرصاصة بعد سماع زلاقة المسدس وصوت الضغط على الزناد، لكن لم يحدث أي شيء".
شعر عبدالكريم بخَدر في جسده، ثم أطلق مسلحو التنظيم سراحه، وأبلغوه أنهم عاقبوه بالتخويف لعدة ساعات وجعلوه ينتظر الموت رغم براءته من التهم الموجهة اليه، لكنه عوقب لـ"جلبه الشبهة إلى نفسه".
اعتقل عبدالكريم بداية 2016 من قبل أمنية داعش في الموصل، بعد اتهامه بالتجسس لصالح قوات التحالف الدولي مرة، ولصالح القوات العراقية مرة أخرى.
التعذيب النفسي
المئات من المعتقلين السابقين في سجون داعش يروون قصصا مشابهة لقصة عبدالكريم، وهي تعذيب المعتقلين نفسيا من خلال ترهيبهم وجعلهم يعيشون أجواء تنفيذ الإعدام.
يبدأ هذا النوع من التعذيب من اللحظة التي يصدر فيها قاضي التنظيم حكم الإعدام على المعتقل وبعدها يترك المحكوم بالإعدام في الزنزانة لساعات أو لأيام. ومع حلول اليوم المحدد للتنفيذ، تُحضّر كافة الاجواء والتحضيرات للإعدام لكن في آخر لحظة يبلغ المحكوم أنه طليق وأن ما عاشه كانت عقوبته.
ناصر مصطفى (23 عاما) معتقل آخر شهد التعذيب بالتخويف عام 2016، لكن بطريقة أخرى. أعتقل مصطفى لأنه كان يلعب كرة القدم مرتدياً شورتا رياضيا، ويحمل معه في حقيبته عددا من السجائر إضافة الى ذاكرة فلاش تحتوي مجموعة من الأغاني.
يقول مصطفى لموقع (ارفع صوتك) "بعد اعتقال وتعذيب جسدي دام لأكثر من 20 يوماً، كان عددنا أربعة معتقلين، حكم علينا قاضي داعش بحفر خنادق في الخطوط الأمامية لجبهات القتال بين التنظيم والقوات الأمنية العراقية، وأبلغونا أن القوات الأمنية ستطلق علينا النار لأنها ستظن أننا مسلحو داعش".
ويلفت مصطفى إلى أن مسلحي داعش ساقوهم معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي إلى منطقة كانت تبعد نحو ساعة ونصف من مقر الحسبة، وفكوا وثاقهم لكن تركوهم معصوبي الأعين، وطلبوا منهم البدء بالحفر بعد أن تترك السيارة المكان.
بعد مرور نحو عشر دقائق، شعروا أن المكان لا يوجد فيه أحد، فرفعوا الغطاء عن أعينهم فوجدوا أنهم داخل أحد الأحياء المهجورة في الموصل وأنهم بعيدون عن جبهات القتال، وعادوا إلى منازلهم لكن مازالت تنتابهم نوبة الخوف والهلع كلما تذكروا ذلك اليوم.
أسباب جمود الضحايا
يتحدث المختص في علم النفس، مراد عبدالعظيم، في هذا الإطار عن أسباب جمود المعتقلين أثناء إعدامهم من قبل مسلحي داعش، حسب الإصدارات المرئية التي يصدرها التنظيم.
ويقول "تمثيل تنفيذ الإعدام عدة مرات بالمعتقلين، هو الذي يجعلهم يعتقدون أن الأمر لا يتعدى التمثيل مثل كل مرة، لذلك يظهرون غير مكترثين بالإعدام وكأنهم مخدرين".
ويؤكد أن التخويف الذي يمارسه التنظيم يسمى (الفزع) وهو يتسبب في بعض الأحيان بأمراض جسدية مثل السكر أو أمراض القلب أو أمراض عصبية.