الموصل ـ صالح عامر:
منذ عودتها الى الموصل، تحرص سميرة بطرس (57 عاما)، وهي مواطنة مسيحية، على ارتشاف قدح الشاي عصر كل يوم في حديقة منزلها مع جارتها المسلمة أمينة حازم (58 عاما)، تعويضا عن السنوات الثلاث الماضية التي حرمهما خلالها داعش من بعضهما، كما تقول.
علاقة سميرة بجارتها أمينة تمتد لأكثر من عشرين عاماً. لا يفصلهما سوى جدار كونكريتي. اعتادتا أن تجتمعا طيلة الأعوام الماضية يومياً لتبادل أطراف الحديث، دون التطرق للاختلاف الديني بينهما.
تصف أمينة الأعوام الثلاثة التي عاشتها في ظل داعش بالقاسية جداً. أكثر ما أحزنها أن عائلة سميرة أجبرت على مغادرة الموصل من قبل مسلحي التنظيم صيف عام 2014.
"لم يكن باستطاعتنا فعل شيء لمساعدتها، فقط كنت أبكي على فراقها".
رغم تهجير التنظيم لعائلة سميرة من الموصل، إلا أن علاقتها بصديقتها أمينة استمرت عبر الهاتف المحمول خلسة، كي لا يُكتشف أمرها من قبل مسلحي داعش الذين منعوا الموصليين من استخدام الهواتف المحمولة طيلة سيطرتهم على المدينة.
أما سميرة فلا تستطيع أن تحبس دموعها، عندما تروي حكاية الابتعاد عن صديقتها وعن الموصل.
توضح أن كل الاتصالات التي دارت بينها وبين صديقتها كانت تنتهي بالبكاء خشية ألا تتمكنا من اللقاء مجدداً. وتؤكد أن أمينة تمكنت من إخراج بعض المقتنيات الشخصية وألبوم الصور الخاص بها قبل أن ينهب مسلحو التنظيم منزلها، واحتفظت بها لحين عودتها الى الموصل بعد التحرير، فسلمتها لها.
استهداف النسيج الاجتماعي الموصلي
بعد سيطرته على الموصل، عمل تنظيم داعش على ضرب النسيج الاجتماعي الموصلي المميز بتنوع مكوناته الدينية والقومية والمذهبية، وبدأ يستهدف مكونات المدينة الواحدة تلو الأخرى.
ولم يتوقف داعش عند هذا، بل عمل على تشويه صورة هذه المكونات، وفرض فكره المتشدد على كافة مجالات الحياة، وأطلق تسميات عدة على هذه المكونات، فبعد تهجيره المسيحيين صادر ممتلكاتهم وعقاراتهم وكتب على جدران وأبواب بيوتهم حرف (ن) أي النصارى حسب وصف التنظيم للمسيحيين، وكتب حرف (ر) على بيوت الشيعة أي (الرافضة). أما السنة الذين تمكنوا من الهروب من المدينة فكتب التنظيم على بيوتهم حرف (م) أي المرتدين.
أما من تبقوا في المدينة، فمنعهم التنظيم من مغادرتها واتخذهم دروعا بشرية بعد أن فرض عليهم قوانينه وتعليماته المتطرفة.
وشن التنظيم في 3 آب/أغسطس من عام 2014 هجوما موسعا، تمكن خلاله من احتلال مناطق سهل نينوى التي تسكنها غالبية مسيحية إلى جانب مكونات أخرى كالشبك والكاكائية، إضافة إلى احتلاله مدينة سنجار وأطرافها ذات الغالبية الأيزيدية.
ونفذ عمليات إبادة جماعية ضد الأيزيديين وسبى أكثر من ستة آلاف أيزيدي غالبيتهم من النساء والأطفال.
ترسيخ التعايش بعد داعش
عبدالعزيز يونس الجربا، ناشط مدني في الموصل، يترأس منظمة التحرير النموذجية، وهي منظمة غير حكومية، تعمل منذ سنوات على ترسيخ التعايش السلمي بين مكونات الموصل، يؤكد الجربا لموقع (ارفع صوتك) أن هناك إمكانية واسعة للتعايش في الموصل.
ويضيف "ينبغي إبراز المواطنة وأن تكون هي الهوية الرئيسيّة، وتحقيق العدالة من خلال الاقتصاص من المجرمين وتعويض المتضررين وذوي الضحايا لتحقيق التعايش".
ويُشدد الجربا على أن الجزء الأكبر من مهمة إرساء قواعد التعايش تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الاكاديمية والتعليمية.