استعمل السلاح الكيماوي لأول مرة منذ أكثر من 100 عام/Shutterstock
ليس من مهام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم/Shutterstock

قررت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إرسال فريق محققين إلى مناطق الغوطة الشرقية قرب دمشق، للبحث في الأداة التي استخدمت في هجوم دوما في 7 نيسان/أبريل والتي يفترض أنها تمت بالسلاح الكيماوي.

أول من أكد استعمال السلاح في الكيماوي في الهجوم، الذي أودى بحياة 40 شخصا، هم مجموعة من أطباء ومسعفين سوريين. 

القوى الغربية، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا وفرنسا، وجهت أصابع الاتهام إلى دمشق، بينما نفت التهمة عن الأخيرة كل من موسكو وطهران.

​​

فريق التحقيقات المؤلف من خبراء في مجال الأسلحة الكيماوية الذي تشكل في 2014، زار سورية عدة مرات.

لكن الوصول إلى مطار دمشق هذه المرة مرهون بتحسن الوضع الأمني، فقد تعرض الفريق الأمني التابع للأمم المتحدة، والذي ينتظر أن ينهي مهامه قبل دخول فريق المحققين، إلى إطلاق نار.

ونتج عن ذلك قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الأربعاء بتجميد عمل محققيها.

هذا ليس التحدي الوحيد الذي يواجهه فريق التحقيقات. هناك جملة من التحديات تجعل السيطرة على السلاح الكيماوي، ليس فقط في سورية بل في أي دولة، مسألة معقدة. وذلك للأسباب التالية:

أولا: صعوبة الإثبات المادي

يهدف عمل أي فريق تحقيق ترسله منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى تحديد ما إذا كانت المواد المحظورة التي نصت عليها "اتفاقية الأسلحة الكيميائية" قد استخدمت فعلا في الهجوم أم لا.

وليس من مهامه تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم.

في سورية مثلا، مسؤولية تحديد الجهة المنفذة لهجوم تم بالسلاح الكيماوي تقع على عاتق لجنة تحقيق مشتركة من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي أسسها مجلس الأمن الدولي في 2015.

وأوضحت التقارير السابقة للجنة أن قوات الحكومة السورية مسؤولة عن ثلاثة هجمات بغاز الكلور في 2014 و2015 وأن مقاتلي داعش أيضا استخدموا غاز الخردل، حسب وكالة رويترز للأنباء.​

استهدفت الضربات الجوية مواقع تخزين أسلحة كيماوية في حمص ومركزا للبحوث العلمية في دمشق

​​

ثانيا: لا وجود لسلطة ملزمة

من الناحية النظرية، ينحصر عمل منظمة الأسلحة الكيماوية في الأعضاء الذين صادقوا على اتفاقية نزع الأسلحة الكيماوية.

معاهدة نزع السلاح الكيماوي في 1997 تنص على أن جميع الدول الموقعة على الاتفاقية لا يجوز لها أن تقوم إنتاج أسلحة الكيمياوية أو حيازتها أو الاحتفاظ بها.

وتتعهد الدول أيضا بعدم استعمال الأسلحة الكيمياوية، وبتدمير الأسلحة التي تملكها على أراضيها أو التي خلفتها في أراضي دولة أخرى.

​يعني هذا أنه في حالة وجود أسلحة كيماوية في دولة لم توقع على الاتفاقية، لا يمكن للمنظمة أن تتدخل لنزعها.

وحتى عام 2016 يوجد ثلاث دول لم توقع على الاتفاقية ولم تصادق عليها وهي مصر وكوريا الشمالية وجنوب السودان.

أما سورية، فانضمت إلى المعاهدة سنة 2013. ووافقت على تدمير مخزونها من السلاح.

وفرضت المنظمة بعدها إجراءات لنقل المخزون السوري (بلغ قدره 1300 طن)، تحت رقابة روسية وصينية، إلى سفن نرويجية ودانماركية حسب وكالة رويترز.

رغم ذلك، اتهمت لجان التحقيق عن المنظمة والأمم المتحدة سورية باستخدام أكثر من مرة حتى بعد تجريدها المفترض من الأسلحة الكيماوية.

ثالثا: سهولة التهريب

النزع الكامل للأسلحة الكيماوية أمر معقد جداً، حسب مقال تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

ذلك أن كل أنواع السلاح الكيماوي يسهل إخفاؤها أو نقلها بشكل سري. وهو أمر صعب لفريق تحقيق يهدف إلى رصد نقط وجود الأسلحة في بلد ما.

تقول الصحيفة إن المواقع الخفية أو الصغيرة للأسلحة الكيماوية التي كان يطورها العراق في عهد الرئيس صدام حسين لم يتم الكشف عنها إلا بعد سنوات عديدة.

وكانت الأسلحة التي عثر عليها مميتة فعلا، رغم أنها كانت مخزنة بشكل رديء.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.