أطفال نازحين بمخيم العامرية في بغداد/ وكالة الصحافة الفرنسية
أطفال نازحين بمخيم العامرية في بغداد/ وكالة الصحافة الفرنسية

اعتاد الطفل مصطفى (10 أعوام) الوقوف بشكل يومي عند ساعات الصباح الأولى وعند ساعات الظهيرة، عند باب منزله الصغير، بمخيم الأعظمية للنازحين، ليراقب أطفال المنازل المجاورة لمخيمه عند ذهابهم للمدارس وإيابهم منها.

لم يتمكن مصطفى التلميذ في الرابع الابتدائي من الالتحاق بالمدرسة هذا العام، لأن إدارة الأخيرة أخبرته أن "عليه العودة إلى منطقته الأصلية التي نزح منها، بعد أن تحررت"، وفقا لرواية والده.

وبعد أيام، سيؤدي رفاق مصطفى من الطلبة الامتحانات النهائية، وستكون لديهم فرصة كبيرة للانتقال إلى مرحلة دراسية جديدة، فيما ليس أمام مصطفى سوى الانتظار.

ينظر الوالد النازح من محافظة الأنبار بحسرة إلى ابنه، عندما يراه واقفا بسكون على باب منزلهم الصغير، المصنوع من الخشب وبعض الألواح المعدنية.

يقول أبو مصطفى لموقع (ارفع صوتك) "هذا الموضوع يسبب الألم النفسي لي ولابني، كيف لي أن أعود وأنا لا أملك دارا ولا عملا؟ كل شيء دمره داعش".

جهل ثم تطرف وإرهاب

ووفقا لمختصين في علم النفس، فإن حجم الأزمات النفسية التي يتسبب بها الانقطاع عن الدراسة كبير جدا، "خصوصا للذين هم بأعمار المراهقة".

ويقول عضو الجمعية العراقية للباحثين النفسيين يحيى ذياب، في حديث لموقع (ارفع صوتك)، "هذا يصنع فجوة كبيرة تؤدي إلى تأثر كبير قد ينتهي بالتطرف".

"الجهل يؤدي إلى الفقر، والفقر ينتهي بالإرهاب والتطرف والجريمة"، على حد وصف الباحث، الحاصل على الماجستير في علم النفس الاجتماعي.

ويضيف ذياب جملة من الصور تساهم في صنع المشاكل النفسية لدى الأطفال، يوضحها بقوله:

-عندما يرى الطفل أقرانه قد سبقوه في المراحل الدراسية، وهو مضطر للجلوس مع من هم أصغر منه عمرا.

-عندما يلاحظ الفارق الطبقي بين أهالي المناطق الأصليين والنازحين.

-عندما يضطر الأطفال لترك مقاعد الدراسة من أجل العمل بعد فقدان معيليهم.

-عندما يعيشون في بيئة تفتقر لأدنى مواصفات العيش الكريم.

حالة مصطفى ليست الوحيدة، ففي مخيم الأعظمية نحو "125 طفلا آخرين، لم تسمح لهم إدارة مدرسة المثنى الابتدائية في الأعظمية بالالتحاق بصفوف الدراسة"، حسب قول أبو مصطفى.

وفي هذا الشأن يقول ذياب، الذي زار "عشرات المخيمات"، إن إجراءات وزارة التربية "صعبة وفيها مشاكل، خصوصا وأن معظم العوائل النازحة فقدت مستمسكاتها بسبب النزوح".

وعد بالحل

لكن مدير عام تربية الرصافة الأولى فلاح القيسي يؤكد أن "وزارة التربية وجهت إدارات المدارس بفتح الأبواب أمام الطلبة النازحين الذين لا يتمكنون من العودة إلى مناطقهم في الوضع الحالي".

ويرجح القيسي في حديث لموقع (ارفع صوتك)، وجود "خطأ ما في موضوع مدرسة المثنى"، حيث تقع المدرسة ضمن مسؤولية مديريته.

ويقول "من خلال موقعكم، أدعو أهالي المخيم لمراجعتي بشكل مباشر لحل القضية"، مؤكدا "سأتابع الموضوع بنفسي".

جانب من مقبرة الشيخ معروف وسط بغداد/ وكالة الصحافة الفرنسية

​​​أطفال المقابر

أقام ذياب الذي ينشط في المجال المدني، مع مجموعة من الناشطين دورات تأهيل في مخيم بمقبرة الشيخ معروف في جانب الكرخ، وسط بغداد.

"وزعنا الأوراق والألوان، وطلبنا من الأطفال أن يرسموا".

لونت فتاة في السادسة من العمر كامل الورقة باللون الأسود، وخطت خطا أبيض وسطها.

يروي ذياب "عندما سألتها إحدى الباحثات عن معنى الرسم، قالت هذه ليلة نزوحنا، كانت مظلمة، واللون الأبيض هو أبي، كان يرتدي الأبيض عندما قتل في تلك الليلة".

ويضيف "كيف يتعلم طفل يعيش كل أوقاته في المقبرة، كيف ينسى المأساة التي عاشها، أطفال كهؤلاء كرهوا كل شيء في حياتهم".

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.