عام 1992، أهدرت الجماعة الإسلامية في مصر دم المفكر فرج فودة بعد اتهامه بالكفر
عام 1992، أهدرت الجماعة الإسلامية في مصر دم المفكر فرج فودة بعد اتهامه بالكفر

استعملت التنظيمات الإرهابية فتاوى هدر الدم ضد كثير من مخالفيها. مفكرون كثر عبروا عن آراء مخالفة فكان مصيرهم التكفير واستباحة دمهم باسم الدين.

قتل المخالف

عام 1992، أهدرت الجماعة الإسلامية في مصر دم المفكر فرج فودة بعد اتهامه بالكفر.

انبرى شابان من الجماعة لاغتيال المفكر العلماني الذي اشتهر بنقاشاته حول الدولة الدينية والمدنية في مصر.

​​

بعدها بسنوات قليلة، اتهم مفكر آخر هو نصر حامد أبو زيد بالردة. أهدر دمه. وحاول القضاء المصري محاكمته، لكن خلو قانون الجزاءات من نص يعاقب على "الردة"، حال دون ذلك.

توبع أبو زيد وفق قانون الأحوال الشخصية، وتم التفريق بينه وزوجته قسرا باعتباره لم يعد مسلما.

​وتعرض الكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، بعد تكفيره بسبب روايته "أولاد حارتنا" التي أثارت جدلا في مصر واتهمت بمهاجمة الأديان.

ولم يسلم الفنانون من التحريض ضدهم وإهدار دمهم. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أهدر تنظيم داعش دم الفنان الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، وقبله أهدر تنظيم القاعدة دم الممثل الكوميدي المصري عادل إمام.

في شباط/فبراير 2013، أصدر محمود شعبان وهو أستاذ بجامعة الأزهر بمصر فتوى يهدر فيها دم قيادات جبهة الإنقاذ المعارضة، ومن بينهم حمدين صباحي ومحمد البرادعي.

اعتقل صاحب الفتوى، التي  قال فيها خلال حديث لقناة فضائية إسلامية، "الحكم الشرعي بشأن جبهة الإنقاذ هو القتل نظرا لأنهم ينازعون الرئيس الشرعي للبلاد في الحكم".

سلاح بيد الإرهابيين

يقول عبد الوهاب بوطيب، وهو باحث في الفقه الإسلامي، "قتل المرتد أو المخالف عقيدة فقهية مستحدثة لا أساس لها في الدين، لكن الجماعات التكفيرية تصر على تقديم مبررات مجتزأة من سياقها لاستباحة دماء الأبرياء".

في شباط/فبراير العام الماضي، أصدر تنظيم داعش شريطا تحريضيا أهدر فيه دماء علماء بارزين، وصفهم التنظيم المتطرف بـ"أئمة الكفر".

شملت القائمة، التي أهدر داعش دمها، عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية، يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعلماء دين آخرين: محمد العريفي، عائض القرني، عبد العزيز الفوزان، نبيل العوضي...إلخ.

ودعا التنظيم المتطرف أيضا إلى اغتيال علماء الأزهر، وعلى رأسهم رئيسه أحمد الطيب، ومفتي مصر السابق علي جمعة، وشيوخ آخرين منهم محمد بديع ومحمد حسان وعمر عبد الكافي ومحمد راتب النابلسي.

​​حمى إهدار الدم انتشرت حتى داخل التنظيمات الإرهابية نفسها. في كانون الثاني/يناير الماضي، كفرت حركة الشباب الصومالية القيادي السابق المنشق عنها، محمد مختار روبو.

وقالت "إنه مرتد يجوز قتله".

وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، فإن الحركة اعتبرت "كل من ينضم لصف غير المسلمين مرتدا يجوز قتله".

تجريم التكفير

يعلق أحمد البوكيلي، الفقيه المغربي والباحث في الدراسات الإسلامية على فتاوى التكفير وهدر الدم بالقول إن "الإسلام حرم سفك الدماء إلا بالحق والقانون".

وتجرم دول عربية التكفير، وتواجهه بعقوبات مشددة في القانون.

تصل العقوبة إلى الإعدام إذا أدى التكفير إلى ارتكاب جريمة، كما هو في الإمارات وتونس.

ويقول أحمد البوكيلي إن فتوى إهدار الدم مرتبطة بالتنظيمات التكفيرية التي تستغل الدين وتحول الحالة النفسية المرضية المبنية على كره الآخر إلى فتوى شرعية لتصفية الحساب السياسي معه.

مرصد الفتاوى التكفيرية والمتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية حذر قبل سنوات من خطورة تسييس الفتوى وتوظيفها لخدمة أغراض الجماعات والتيارات المتطرفة التي أهدرت دم بعض رموز الدولة المصرية.

وأوضح مرصد الإفتاء إن "إهدار الدماء أداة قديمة استخدمتها جماعات العنف من قبل، ولم تؤت أي نتائج لهذه الجماعات الضالة. بل، على النقيض تماما زادت من تصميم البلاد والعباد على القضاء على الإرهاب ودحره بقوة القانون".

ويقول البوكيلي "الأصل في الفتوى أن تبنى على مؤسسة العلماء لا على رأي التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، لأن العالم يستحيل أن يوظف الفتوى لتصفية الحسابات السياسية وإهدار دم المخالفين مهما بلغ الخلاف".

ويؤكد الباحث المغربي أنه عندما تخرج الفتوى عن مؤسسة العلماء وتصير بيد الجماعات المتشددة لتأخذ طابعا إيديوليوجيا أو سياسيا، فإنها لا تخدم مصلحة الدين ومقاضد الشريعة بل تخدم مصالح من يصدرها زورا وبهتانا باسم الدين.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.