استعملت التنظيمات الإرهابية فتاوى هدر الدم ضد كثير من مخالفيها. مفكرون كثر عبروا عن آراء مخالفة فكان مصيرهم التكفير واستباحة دمهم باسم الدين.
قتل المخالف
عام 1992، أهدرت الجماعة الإسلامية في مصر دم المفكر فرج فودة بعد اتهامه بالكفر.
انبرى شابان من الجماعة لاغتيال المفكر العلماني الذي اشتهر بنقاشاته حول الدولة الدينية والمدنية في مصر.
قاتل فرج فودة لم يكن يقرأ. كان يطيع تعاليم المتمشيخيين الجهلة.. حرمونا منك يا فودة#ذكرى_اغتيال_فرج_فودة#قاتل_فرج_فودة_لا_يقرأ pic.twitter.com/6IQite9ODm
— Nadine Albudair (@nadinealbdear) December 19, 2016
بعدها بسنوات قليلة، اتهم مفكر آخر هو نصر حامد أبو زيد بالردة. أهدر دمه. وحاول القضاء المصري محاكمته، لكن خلو قانون الجزاءات من نص يعاقب على "الردة"، حال دون ذلك.
توبع أبو زيد وفق قانون الأحوال الشخصية، وتم التفريق بينه وزوجته قسرا باعتباره لم يعد مسلما.
يتحدث نصر أبو زيد عن “تاريخية النص القرآني”، وعن أن “أجزاءً منه سقطت بحكم التاريخ وأصبحت شاهداً تاريخياً”#إرفع_صوتكhttps://t.co/8Gx9XLqsmb
— IrfaaSawtak ارفع صوتك (@IrfaaSawtak) July 22, 2016
وتعرض الكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، بعد تكفيره بسبب روايته "أولاد حارتنا" التي أثارت جدلا في مصر واتهمت بمهاجمة الأديان.
ولم يسلم الفنانون من التحريض ضدهم وإهدار دمهم. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أهدر تنظيم داعش دم الفنان الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، وقبله أهدر تنظيم القاعدة دم الممثل الكوميدي المصري عادل إمام.
في شباط/فبراير 2013، أصدر محمود شعبان وهو أستاذ بجامعة الأزهر بمصر فتوى يهدر فيها دم قيادات جبهة الإنقاذ المعارضة، ومن بينهم حمدين صباحي ومحمد البرادعي.
اعتقل صاحب الفتوى، التي قال فيها خلال حديث لقناة فضائية إسلامية، "الحكم الشرعي بشأن جبهة الإنقاذ هو القتل نظرا لأنهم ينازعون الرئيس الشرعي للبلاد في الحكم".
سلاح بيد الإرهابيين
يقول عبد الوهاب بوطيب، وهو باحث في الفقه الإسلامي، "قتل المرتد أو المخالف عقيدة فقهية مستحدثة لا أساس لها في الدين، لكن الجماعات التكفيرية تصر على تقديم مبررات مجتزأة من سياقها لاستباحة دماء الأبرياء".
في شباط/فبراير العام الماضي، أصدر تنظيم داعش شريطا تحريضيا أهدر فيه دماء علماء بارزين، وصفهم التنظيم المتطرف بـ"أئمة الكفر".
شملت القائمة، التي أهدر داعش دمها، عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية، يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعلماء دين آخرين: محمد العريفي، عائض القرني، عبد العزيز الفوزان، نبيل العوضي...إلخ.
ودعا التنظيم المتطرف أيضا إلى اغتيال علماء الأزهر، وعلى رأسهم رئيسه أحمد الطيب، ومفتي مصر السابق علي جمعة، وشيوخ آخرين منهم محمد بديع ومحمد حسان وعمر عبد الكافي ومحمد راتب النابلسي.
لماذا يرفض #الأزهر تكفير #داعش؟#إرفع_صوتك #مصر https://t.co/iEsh4oIagW
— IrfaaSawtak ارفع صوتك (@IrfaaSawtak) April 6, 2017
حمى إهدار الدم انتشرت حتى داخل التنظيمات الإرهابية نفسها. في كانون الثاني/يناير الماضي، كفرت حركة الشباب الصومالية القيادي السابق المنشق عنها، محمد مختار روبو.
وقالت "إنه مرتد يجوز قتله".
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط، فإن الحركة اعتبرت "كل من ينضم لصف غير المسلمين مرتدا يجوز قتله".
تجريم التكفير
يعلق أحمد البوكيلي، الفقيه المغربي والباحث في الدراسات الإسلامية على فتاوى التكفير وهدر الدم بالقول إن "الإسلام حرم سفك الدماء إلا بالحق والقانون".
وتجرم دول عربية التكفير، وتواجهه بعقوبات مشددة في القانون.
تصل العقوبة إلى الإعدام إذا أدى التكفير إلى ارتكاب جريمة، كما هو في الإمارات وتونس.
ويقول أحمد البوكيلي إن فتوى إهدار الدم مرتبطة بالتنظيمات التكفيرية التي تستغل الدين وتحول الحالة النفسية المرضية المبنية على كره الآخر إلى فتوى شرعية لتصفية الحساب السياسي معه.
مرصد الفتاوى التكفيرية والمتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية حذر قبل سنوات من خطورة تسييس الفتوى وتوظيفها لخدمة أغراض الجماعات والتيارات المتطرفة التي أهدرت دم بعض رموز الدولة المصرية.
وأوضح مرصد الإفتاء إن "إهدار الدماء أداة قديمة استخدمتها جماعات العنف من قبل، ولم تؤت أي نتائج لهذه الجماعات الضالة. بل، على النقيض تماما زادت من تصميم البلاد والعباد على القضاء على الإرهاب ودحره بقوة القانون".
ويقول البوكيلي "الأصل في الفتوى أن تبنى على مؤسسة العلماء لا على رأي التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، لأن العالم يستحيل أن يوظف الفتوى لتصفية الحسابات السياسية وإهدار دم المخالفين مهما بلغ الخلاف".
ويؤكد الباحث المغربي أنه عندما تخرج الفتوى عن مؤسسة العلماء وتصير بيد الجماعات المتشددة لتأخذ طابعا إيديوليوجيا أو سياسيا، فإنها لا تخدم مصلحة الدين ومقاضد الشريعة بل تخدم مصالح من يصدرها زورا وبهتانا باسم الدين.