انحسر تنظيم داعش في العراق وسورية، إلا أن آثاره لا تزال ظاهرة حتى اليوم، لا سيما إنتاجاته الإعلامية، والأغاني والأناشيد التي لطالما روج لنفسه من خلالها إبان فترة نشاطه.
تلك الأغاني التي عمل التنظيم على نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات، لم تكن سوى وسيلة تعبوية اعتبرها البعض ركنا أساسيا في تجنيده للشباب.
وتظهر أهمية الشأن لدى قادة داعش بما قاموا به من رثاء لمنشد التنظيم القادم من السعودية ماهر مشعل، المعروف بلقب "أبو الزبير الجزراوي"، والذي قضى إثر غارة جوية للتحالف على التنظيم بالقرب من مدينة الحسكة السورية.
بات إرث التنظيم الإرهابي من تلك الأغاني خطرا يلوح في أفق المجتمعات العربية، ليس على مستوى الشباب فحسب، فقد تسللت إلى هواتف الأطفال الذين باتوا يرددونها ويحفظونها عن ظهر قلب، بكل ما تحمل من إشارات دموية وتحريضية.
وتؤكد دراسة صادرة عن المركز الدولي لمواجهة الإرهاب في هولندا أن التنظيم عمل على اجتذاب الأطفال من خلال أغانيه "الجهادية"، التي اعتاد على رفعها بصوت عال في أكشاك أقامها في مناطق سيطرته السابقة.
وبحسب الدراسة التي خاضت في أساليب داعش لتجنيد أفراده، فقد اعتاد الأطفال على التجمع حول أكشاك التنظيم لترديد تلك الأغاني المشبعة بالعنف، ليقوم التنظيم بدوره بمكافئتهم على ما قاموا به.
وأطلق التنظيم قبيل انحساره تطبيقا ذكيا يسهل الاستماع إلى أغانيه عن طريق الهاتف النقال، لضمان أكبر انتشار لأفكاره.
وكان مرصد دار الإفتاء المصرية قد أصدر في وقت سابق تقريرا تم إعداده في سبيل رصد مدى اعتماد التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية "على أناشيد العنف التي أصبحت جزءا أساسيا في نشر أفكارها وجذب وتجنيد مقاتلين جدد إليها".
وأشار المرصد في تقريره القائم على دراسة محتوى لعدة أغان أصدرتها الجماعات التكفيرية والإرهابية إلى "ضرورة تطوير الإنشاد الديني وإحياء ثقافة الاستماع للابتهالات الدينية"، للحد من التأثر بأغان ذات كلمات مسمومة.
"الفن له تأثير كبير طبعا على الشباب. ولدينا هنا في مصر تشهد حفلات الإنشاد الديني إقبالا كبيرا جدا"، تقول الكاتبة المصرية مروة البشير لموقع (ارفع صوتك).
أطلقت الكاتبة مؤخرا كتابا عنوانه "فن الإنشاد الديني"، تتبعت فيه مسار الأغنية الصوفية بشكل خاص والدينية بشكل عام عبر عصور مختلفة.
في مؤلفها، تتابع البشير كيف تطور الإنشاد الديني من قصائد المديح النبوي، مشيرة إلى نشيد (طلع البدر علينا) باعتباره أول إنشاد فى الإسلام، إلى ازدهاره حيث تحول فى العصر الأموى إلى فن له قوالبه وأصوله وقواعده.
وتشير إلى العصر الفاطمى الذى شهد الإنشاد الدينى خلاله تطورا كبيرا وانتشر انتشارا واسعا، ارتبط بالاحتفالات الدينية خاصة أن الفاطميين كانوا يحرصون على إقامة احتفال عظيم عند تولى الخلافة لإضفاء نوع من القداسة الدينية والمكانة على منصب الخليفة.
وتشدد الكاتبة على الأثر الكبير الذي تتركه الأغنية الدينية في نفس المتلقي، لا سيما أنها تعتبر من "القوى الناعمة التي من الممكن استخدامها لنشر الأفكار الوسطية والمعتدلة".
وبحسب قولها، فإن الفن الصوفي والإنشاد الديني متوفران بشكل يتيح توظيفهما في مواجهة هذا النوع من الأغاني التي يستخدمها داعش، "وهو بشكل عام ينشر الوسطية والإسلام المعتدل.. فيه معان صوفية أبعد ما تكون عن التطرف والتشدد".
وكان أبرز ما طرحته البشير في كتابها أن الغناء الديني لا يقتصر على الدين الإسلامي، مستدلة بأناشيد تعود إلى عهد الفراعنة، وأخرى موجودة في المسيحية. وتوضح "الإنشاد الديني لكل الأديان، حتى الأديان غير السماوية فيها إنشاد أيضا".
وتضيف "هو أكثر شيء يستطيع ملامسة الروح ومن الممكن أن يكون له تأثير، وأكثر ما تستطيع من خلاله إيصال تعاليم أي دين بمنتهى السهولة".
فهل يكون الترويج للغناء الديني المعتدل حلا فعالا في سبيل مواجهة ما دأب تنظيم داعش على نشره من فتن وتحريض من خلال إنتاجاته السابقة؟