مريض في انتظار تلقي علاج لمرض القلب في مستشفى الثورة بصنعاء
مريض في انتظار تلقي علاج لمرض القلب في مستشفى الثورة بصنعاء

أمام المركز الحكومي الوحيد لعلاج القلب في العاصمة اليمنية صنعاء، جلس صالح قائد شارد الذهن.

الرجل الخمسيني عاجز عن دفع تكاليف عملية جراحية عاجلة لقلب شقيقه الأكبر زيد، الذي تجاوز عقده السادس.

إلى جانب صالح، يبدو القلق واضحا على وجوه ثلاثة من أفراد الأسرة. حياة قريبهم الستينيى قائد في خطر، في ظل تدهور الوضع الصحي في اليمن على نحو مريع بسبب استمرار النزاع الدامي الذي يعصف بالبلاد منذ أربع سنوات.

“أخي زيد يحتاج صمامات وشريانين. أجرينا له عملية قسطرة تشخيصية في مستشفى خاص بصنعاء كلفت 180 ألف ريال (720 دولارا)، ثم عدنا إلى مركز القلب بمستشفى الثورة (حكومي) وطلبوا منا شراء صمام قلب (900 دولار)، وجهازين آخرين (1600 دولار)"، يقول صالح وهو يقلب بين يديه أوراقا وفواتير رسمية صادرة عن المستشفى.

ويتابع "الآن، نحن عاجزون عن توفير مبلغ مليون و200 ألف ريال (2500 دولار) مقابل الرقود وإجراء العملية الجراحية... نخشى أن نفقده بعد كل هذه المعاناة، لا ندري كيف نتصرف الآن”.

على مقربة من صالح، كان أحد المرضى، نزلاء المركز، يخاطب اثنين من أقاربه عبر النافذة: “هل حصلتم على المال؟".

يحتاج الرجل لإجراء قسطرة للقلب، لكن أسرته عجزت عن دفع تكاليفها.

يمنيون أمام بوابة مركز جراحة القلب بمستشفى الثورة بالعاصمة اليمنية صنعاء

​​​​فاعلو خير

على مسافة غير بعيدة من باحة المركز، حيث يفترش عشرات المرضى ومرافقيهم الأرض، قال أبو بكر سلطان (37 عاما) إنه تمكن من إجراء عملية  قلب مفتوح لقريبه محمد حيدر (36 عاما) الخميس الماضي، بعد نحو شهرين من تقديم الطلب.

“تكبدنا حوالي 2 مليون ريال (قرابة 4200 دولار) لإجراء العملية: تكفل بمعظمها فاعلو خير”، يوضح سلطان.

ويؤكد أن المركز كان يجري هذا النوع من العمليات مجانا قبل الحرب.

ما زال حيدر يرقد داخل المركز يتماثل للشفاء.

لا تنحصر مشاكل مرضى القلب في اليمن على تحمل تكاليف العمليات الجراحية فقط. الأدوية التي يجب شراؤها من الصيدليات الخاصة باهظة جدا، تفوق قدراتهم الشرائية التي تراجعت على نحو مأساوي مع استمرار النزاع.

وقذفت الحرب بأكثر من 80 في المئة من سكان اليمن إلى دائرة الجوع.

وأدت إلى توقف الخدمات الصحية في أكثر من نصف المنشآت الطبية (54 في المئة). ولجأت عدة مستشفيات عامة إلى خفض أو إغلاق بعض أقسامها بسبب نقص الإمدادات وعجز سلطات الأطراف المتصارعة عن دفع المرتبات للعام الثاني على التوالي.

يقول محمد غالب عثمان، الذي أجرى عملية قسطرة للقلب قبل أيام، “الآن بعد نجاح العملية وصف لي الأطباء ستة أصناف من الأدوية ربما تتجاوز قيمتها 700 ألف ريال (1450 دولارا)، لا أدري كيف سأدفع تكاليف هذه الأدوية!”.

مركز القلب الوحيد

لا يخفي محمد الشيباني، مدير مركز القلب في هيئة مستشفى الثورة العام (حكومي) بصنعاء، المشاكل الكثيرة التي يعاني منها مركزه.

ويقول إن ميزانية هيئة مستشفى الثورة كانت ما يقرب من 12 مليار ريال (25 مليون دولار أميركي) سنويا، قبل أن تنخفض إلى أقل من ملياري ريال (أكثر من أربعة ملايين دولار بقليل).

“كنا قبل الحرب نجري يوميا ست عمليات جراحة قلب مجانا. حاليا، حالتان فقط ويتحمل المريض تكاليف شراء المواد كالصمامات وجهاز التروية وغيره، فضلا عن دفع نسبة من تكاليف العملية لتسيير العمل في المركز"، يقول  الشيباني.

طبيب يفحص مريضة بالقلب في مستشفى الثورة في صنعاء

​​ويعمل في مركز القلب 132 موظفا، بينهم أطباء وممرضين وفنيون، لم يستلموا رواتبهم منذ عام وثمانية أشهر.

ويضم المركز الحكومي الوحيد لجراحة القلب 86 سريرا، منها 32 سرير عناية مركزة.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن أعداد مرضى القلب في اليمن، لكن الشيباني يقول إن اجمالي صمامات القلب التي تم تركيبها للمرضى منذ تأسيس المركز عام 2000 بلغت 40 ألفا.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.