أن ترتفع نسبة الإحباط بين الشباب في العراق بسبب الأزمات التي تمر بها البلاد أمر مؤسف لكنه متوقع. لكن الغريب هو أن يصاب الأخصائيون النفسيون بالإحباط والاكتئاب إلى حد "الرغبة بالانتحار أحيانا".
علم النفس لم يحمهم من أمراض المجتمع وأزماته.
تتحدث أستاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز لموقع (ارفع صوتك)، عن بعض تلك الحالات.
وتقول إن من بين طلابها شابا لجأ إلى العمل في النوادي الليلة، وهناك تأثر كثيرا بالبيئة التي يعمل فيها، وتحول من طالب علم إلى شبه مدمن.
يأتي الطالب إلى حصص الدراسة متأخرا، والسبب كما يذكره لأستاذته هو أن "عملي ينتهي وجه الصباح".
وعندما تحاول الأخيرة تقديم النصح، يكون جوابه "أصدقائي يركبون أحدث السيارات ويلبسون أجمل الملابس، وأنا بالكاد أوفر قوت عائلتي".
حالة أخرى طالبة حاولت الانتحار، والسبب هو الشعور بالإحباط أيضا.
تقول عبد العزيز إن طالبتها تلك من عائلة فقيرة، وفقر عائلتها كان سببا في فسخ خطوبتها وتعرضها لأزمة نفسية.
امتنعت الطالبة عن الاستمرار في الدراسة وأصيبت بالاكتئاب. حاولت الانتحار لكن أستاذتها تدخلت وقدمت لها الدعم المعنوي، وساعدتها في العودة إلى مقاعد الدراسة.
حالات كثيرة
وتؤكد أستاذة علم النفس أن الحالتين أعلاه هما من بين "حالات كثيرة".
وذكرت دراسة أعدها مجموعة من الباحثين بالتعاون مع وزارة الصحة، استناداً إلى تقارير مراكز العلاج النفسي ومستشفى "ابن رشد"، أن نسبة المصابين بهذه الحالة شكلت "90 في المئة من العينات".
وشملت العينات نماذج من جميع فئات الشعب وطبقاته الاجتماعية والوظيفية والعمرية.
وتقول عبد العزيز إن معظم العينات محبطة بسبب عدم وجود فرص عمل، أو بسبب التفاوت المادي بين طبقات المجتمع، إضافة إلى الوضع الأمني.
المراجعون للمستشفيات ومراكز العلاج النفسي بدأوا يقومون بسلوكيات منحرفة للابتعاد عن الواقع والضغوط الحياتية، عبر اللجوء إلى "الإدمان والانعزال والاكتئاب وأحيانا الجريمة"، وفقا لأستاذة علم النفس.
وأكثر الفئات احباطا هم "الشباب". وتشير عبد العزيز إلى أن عمل الشباب في غير اختصاصهم الدراسي، شكّل عاملا مهما في حالات الإحباط لديهم.
النتيجة عنف وإرهاب
ويذهب عضو الجمعية العراقية للباحثين النفسيين يحيى ذياب إلى أن "الخوف من المستقبل في ظل الظروف الحالية عامل رئيسي في زيادة الإحباط".
ونفّذ ذياب الحاصل على الماجستير في علم النفس مع عدد من زملائه جملة تحقيقات استقصائية عن "الإحباط في المجتمع العراقي".
وكانت من ضمن نتيجة تحقيقاتهم أن "الخوف من الحروب الطائفية والحصول على فرصة عمل كان السبب الأبرز في الإحباط لدى شريحة الذكور".
أما الإناث فالمخاوف كانت مختلفة بسبب "بنيتها وتربيتها"، ووصلت مرحلة الإحباط لديهن إلى "درجة الكآبة".
يضاف إلى ذلك "الضغوط والفساد في بيئة العمل لدى الجنسين".
وكانت نسبة الإحباط "70 في المئة لدى فئة الشباب، فيما توزعت باقي النسبة على الفئات الأخرى بينهم الأطفال".
ويحذر ذياب من أن الإحباط قد ينتهي بالرغبة في "العنف حتى درجة الإرهاب".
ويوضح "قد يلجأ الفرد إلى تكسير المواد والعنف اللفظي والجسدي بسبب الإحباط، لكنه قد يصل إلى درجة الجريمة والإرهاب، وهذه نتيجة مرجحة بالنسبة للمحبط".
وهو ما تؤيده أستاذة علم النفس عبد العزيز، موضحة أن "الميل إلى العنف والجريمة نتيجة محتمة، خصوصا للمدمنين، لأنهم يحاولون توفير الأموال من أجل الحصول على جرعات مخدرة".