الموصل - صالح عامر:
يخفف بدر أحمد من سرعة سيارته كلما مر قرب المكان الذي أعدم فيه أخيه غرقا من قبل داعش في الموصل، فقد علم بهذا المكان مؤخراً، لأنه كان يظن أن الشريط المصور الذي يظهر إعدام أخيه، صُور في سورية.
يتذكر أحمد ذلك اليوم من عام 2015 حين اعتقل هو وشقيقه في ناحية الشورى، جنوب شرق الموصل مع 90 آخرين من قبل مسلحي داعش لأنهم كانوا منتسبين في القوات الأمنية العراقية.
بعد أشهر من التعذيب، أطلق التنظيم سراح نصف المعتقلين وكان أحمد من بينهم، لكن أخاه ظل محتجزا لدى داعش.
يوضح أحمد لموقع (ارفع صوتك) أن التنظيم طلب من ذوي المعتقلين أن يستقيل أقرباؤهم الضباط في القوات الأمنية مقابل إطلاق سراح أبنائهم، أو يُعدم أبناءهم ومن بينهم أخيه.
ويردف "بعد مدة علمنا من خلال إصدارات التنظيم أنهم أُعدِموا جميعا، أخي كان من بين من أعدموا غرقا، ولم يحصل أحد على جثثهم حتى الآن".
قتلى بلا جثث وقبور
منذ سيطرته على الموصل في 10 حزيران/يونيو من عام 2014، وحتى إعلان تحرير المدينة من قبل القوات العراقية في 10 تموز/يوليو من عام 2017، شن داعش حملات اعتقال موسعة استهدفت كافة الشرائح في الموصل، خصوصا عناصر القوات الأمنية وموظفي مفوضية الانتخابات والمرشحين السابقين.
وأصدر التنظيم في صيف عام 2015 قائمة تتضمن أسماء نحو 2070 موصليا، كان قد أعدمهم خلال فترة عام من سيطرته على المدينة، وعلق قوائم هذه الأسماء على جدران مقرات الحسبة (شرطة داعش).
لكن ذوي الضحايا لم يستلموا جثث أبنائهم، ومنعوا من تنظيم مراسم العزاء لهم من قبل مسلحي التنظيم.
محمد العبيدي، شاب موصلي، رافق والده في ذلك اليوم لمعرفة مصير أخيه الذي اعتقله التنظيم بعد نحو شهرين من سيطرته على الموصل.
يقول العبيدي "المئات من الموصليين كانوا مجتمعين أمام تلك القوائم. تمكنا بعد نحو ساعتين من الاقتراب من تلك القوائم والتفتيش عن اسم اخي الذي كان منتسبا سابقا في القوات الأمنية، وبالفعل كان اسمه موجودا".
لم تستلم عائلة العبيدي هي الأخرى جثة ابنها.
وبعد مرور نحو عشرة أشهر على تحرير الموصل، ما زالت عائلات الضحايا تنتظر معرفة مصير أبنائها المفقودين أو جثثهم، بينما تشهد أطراف المدينة بين الحين والآخر اكتشاف مقابر جماعية تضم عشرات الجثث المجهولة التي أعدم مسلحو داعش أصحابها.
لا أستطيع البكاء
جبار عبدالعزيز، رجل موصلي لم يتجاوز بعد الـ68 عاما، يجلس في أحد مقاهي الجانب الأيسر، وعلامات الحزن ظاهرة في عينيه، فقد شاهد إصدارا مرئيا للتنظيم يظهر فيه عملية اعدام ابنه.
يعبر عبدالعزيز عما في داخله لموقع (ارفع صوتك) "لن أنس مشهد تفجير داعش رأس ابني، عملية إعدامه كانت وحشية، لا أستطيع البكاء من شدة الحزن المحصور في صدري، وما يزيد حزني هو جثته المفقودة".
لا يعتبر عبدالعزيز تحرير الموصل انتقاما كافيا لداعش على ما اقترفه من جرائم في المدينة، ويشدد على أن الانتقام من التنظيم يتمثل في القضاء على الفكر المتطرف والأسباب التي أدت إلى ظهور داعش وسيطرته على الموصل.