علي عبد الأمير ومشعل العبيد:
عرضوا علي أموالا لبيع ابنتي الصغيرتين.
يقول حربي نظير، وهو عراقي من أقلية (الغجر) التي تنتشر في مناطق من شمال وجنوب العراق.
"كانت غايتهم تشغيل الفتاتين الصغيرتين في التسول أو الدعارة، وعرضوا علي أموالا لأوافق على تزويجهما".
"الزواج" هو الغطاء لهذه العمليات، يدفع "المشترون" مبلغا من المال كمهر للفتاة التي تكون قاصرا في العادة، وباستلام أبيها للأموال، تتحول ملكيتها وتجبر على ممارسة التسول، أو حتى الدعارة في بعض الأحيان.
لدى نظير فتاتان متزوجتان هما بنين وفاطمة، تبلغ أعمارهما 13 و 12 سنة فقط.
يقول نظير أن "المال" لم يكن السبب بتزويج ابنتيه، وإنما "القلق عليهما".
لم يبح حربي نظير عبد الرحيم بسبب تزويجه لابنتيه القاصرتين ( بنين وفاطمة )، ولم يقرّ بأن ما فعله كان دافعه المال.
لكنه أقر في حديثه لموقع (ارفع صوتك) أن أناساً عرضوا عليه أموالاً لبيع ابنتيه الصغيرتين بحجة تزويجهما "كبرت وبلغت سناً يستحق الزواج و بدافع خوفي عليها من البقاء وحدها في المنزل ولأن أمها كانت تخرج أيضا لطلب الرزق" يوضح حربي.
لم يقل حربي ما قصده بـ"طلب الرزق" ولكن عادة يكون المعنى هو "التسول" الذي يشارك فيه كل أفراد العائلة، وكلما كانوا أصغر عمرا، كلما كان أفضل.
مايزال حربي مستمرا بإنجاب الأطفال، وكلهم مثله لم يدخلوا المدرسة.
أصغر فتياته المتزوجات، بنين، لم تنتقل بعد إلى "بيت الزوجية" لكنها تبدو راضية عن زوجها المستقبلي، الذي يكبرها قليلا فقط .
"لم يعترض الشيخ على صغر أعمارنا، قام بتزويجنا فحسب".
تعقد هذه "الزيجات" خارج المحكمة عادة، ويتقاضى "الشيخ" مبلغا من المال يتراوح بين 20-100 دولار لإضفاء الصفة الشرعية (دينيا) عليها.
"ما دام أبي وأمي راضين بزواجي فأني اقبل و عندما اكبر سأتزوج"، تقول حنين.
الإتجار بالبشر .. مؤشرات و اعتراف رسمي
يقر رئيس اللجنة الأمنية في قضاء الزبير غرب البصرة مهدي ريكان إن شخصا من منطقته باع إبنتيه بحجة تزويجهما وهما صغيرتان مستعملا عقد الزواج العرفي غطاء لتلك العملية.
و بحسب ريكان فإن الموافقة على البيع تعني قطع علاقة الأب بابنته بشكل تام وأن لا يسأل عنها أين تذهب أو ماذا تعمل أو حتى إن ماتت.
ويقول إن "فتاتين تم بيعهما في وقت سابق هما الآن ببغداد، إحداهما تمارس الدعارة، والأخرى تعمل بمقهى خاص".
ويلفت ريكان الى إنه "حتى الآن ليس هناك تحرك حكومي حول قضايا بيع الفتيات الصغيرات وشرائهن لأن ذلك التحرك لابد أن تكون به موافقات قضائية و بشكوى من ذوي الفتيات المتاجر بهن".
وكشفت إحصائية حديثة لمجلس القضاء الأعلى العراقي، عن أن القضايا التي نظرت بها محاكم الجنايات للعام الماضي والمتعلقة بجرائم الإتجار بالبشر، بلغت 200 قضية نصفها في العاصمة بغداد وحدها.
80 من ضحايا هذه الجرائم كانوا من الذكور، لكن العدد الفعلي قد يكون أكبر بكثير، خاصة إن "الزواج" الذي يعقد بين الطرفين يسهم بتغطية الموضوع ويصعب كشفه.
يضيف المدير التنفيذي للجمعية العراقية لحقوق الانسان في البصرة، مناف عبد الكاظم القطان، إن "هناك مؤشرات كثيرة ومعطيات بشأن عمليات الاتجار بالبشر، "ولكن الجهات الرسمية ترفض تزويد المنظمات بالبيانات الرسمية حول هذه الظاهرة".
ويقول القطان لموقع (ارفع صوتك) إن "حالات الإتجار بالشر التي رصدت، هي حالات مؤكدة وموجودة".
قانون مكافحة الاتجار بالبشر
وينص قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012 الذي اقره مجلس النواب على ان الاتجار يقصد به:
*تجنيد اشخاص أو نقلهم أو ايوائهم أو استقبالهم بوساطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة.
*إعطاء أو تلق مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية.
يقول مدير مكتب "المفوضية العليا لحقوق الانسان" في البصرة مهدي التميمي، أن هذا الملف "معقد وعنكبوتي ولا يمكن السيطرة على أغلب جرائمه وإبرازه كاتجار بالبشر، فقد ببيع بعض الآباء أبناءهم وبناتهم لبعض المقاهي او لأعمال أخرى هي في حقيقتها إتجار بالبشر".