تنظيم داعش سيدخل طور السرية من جديد. ما كان "دولة" لثلاث سنوات، سيتحول مرة أخرى إلى حركة سرية تعمل تحت الأرض، تماما مثلما كان عليه الوضع بين 2006 و2013، عندما كان التنظيم مجرد "دولة العراق الإسلامية".
"كان جنود الخلافة بالأمس.. ترونهم ويرونكم. أما اليوم.. نراكم ولا تروننا"، يقول أحد مقاتلي التنظيم في الشريط الدعائي الأخير الذي صدر الأربعاء.
الباحث الفرنسي، والجهادي السابق، رومان كاييه يقول إن هذا التصريح يشير إلى "العودة إلى تكتيكات ما قبل سنة 2014، والتي تعتمد على حرب العصابات والخطف".
بالنسبة لكاييه، "هذا هو التهديد الجديد الذي تمثله داعش وهي تعمل تحت السرية".
Le 1e intervenant de l%27#EI s%27adressant aux soldats irakiens : "hier, vous nous observiez et nous vous observions. Aujourd%27hui, nous vous observons mais vous ne nous voyez plus", faisant référence à la nouvelle menace représentée par un EI opérant dans la clandestinité. pic.twitter.com/j0let1UmFk
— Romain Caillet (@RomainCaillet) May 23, 2018
صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقول بدورها إن التنظيم يخطط "لانسحاب منظم".
في تقرير نشرته الأسبوع الماضي، نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن البغدادي "يشرف على إدارة استراتيجية طويلة المدى لمن تبقى من مقاتلي التنظيم في معاقله المتبقية في شرق سورية".
ويؤكد التوجه الجديد المعلومات المخابراتية التي تم جمعها واعترافات المعتقلين من قيادات داعش وكذا تصريحات بعض نشطاء التنظيم.
"حتى عندما كانوا يفقدون الموصل والرقة، كنا نرى مؤشرات على أنهم يخططون للعمل من جديد، كمنظمة سرية"، يقول نيكولاس راسموسين الذي شغل منصب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، حتى نهاية العام الماضي.
ويجمع المركز ممثلين عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، ومكتب التحقيق الفيدرالي FBI، ووزارة الدفاع.
"في الوقت الذي كانوا يطردون فيه من هذه الأماكن (الموصل والرقة)، كانوا يتركون خلفهم نوعا من نظام الخلية"، يقول راسموسين لواشنطن بوست.
وكتب حينها كولين كلارك من مؤسسة "راند"، قائلا إن داعش ستستمر في العمل تحت الأرض في المناطق الصحراوية في شرق سورية وغرب العراق.. معتمدة على تكتيكات العصابات الكلاسيكية مثل القنص والكمائن، عمليات الكر والفر، والضرب والسيارات المفخخة والاغتيالات.
وتقول واشنطن بوست إن مصادر من داخل داعش نفسه، تم الاتصال بها بوسيلة تبادل رسائل مشفرة، تؤكد التوجه الجديد للتنظيم.
وحسب تصريحات مسؤول أميركي رفض الكشف عن اسمه، يدير البغدادي تنظيمه من أحد معاقله في سورية. "أفضل تخمين لدينا هو أنه لا يزال في سورية، في أحد الأجزاء من البلاد التي لا تزال تحت سيطرة داعش"، يقول المتحدث.
ولم يظهر أبو بكر البغدادي منذ آخر شريط صوتي في نهاية أيلول/سبتمبر 2017، أي أسبوعين فقط قبل سقوط الرقة.
وطوال الفترة الماضية، وجه نظره نحو تقوية الأرضية الإيديولوجية للتنظيم تمهيدا للمرحلة المقبلة.
تقول الصحيفة إن البغدادي كان وراء سلسلة من الرسائل في الأشهر الأخيرة لتسوية الخلافات الأيديولوجية بين مقاتليه.
أكثر من هذا، دعا في واقعة غريبة إلى اجتماع عاجل لتدارس المناهج التعليمية للتنظيم، ومقاتلوه حينها في عز حصار الرقة.
حضر الاجتماع الذي نظم منتصف العام الماضي في دير الزور كبار قادة التنظيم، ودعا له البغدادي شخصيا.
كشف عن هذه المعلومات القيادي في داعش إسماعيل العيثاوي المعروف بأبي زيد العراقي الذي اعتقلته الشرطة التركية في شباط/فبراير الماضي وسلمته للمخابرات العراقية.
وقالت خلية الصقور الاستخباراتية العراقية على صفحتها في فيسبوك إن "العملية جرت بعد أن تمكنت الخلية من اختراق قيادات الصف الأول" في داعش.
شريط داعش الأخير يؤكد أيضا استراتيجية السرية التي بات ينهجها التنظيم.
وأظهر الشريط كمائن ضد القوات الأمنية العراقية، وقوات الحشد الشعبي، وعمليات اختطاف بحق أفراد قال التنظيم إنهم من الشرطة الاتحادية.
يقول محمد بنحمو، الخبير المغربي في الجماعات الإسلامية والشؤون الاستراتيجية، إن داعش يحاول التغطية عن الخسائر التي مني بها بإظهار نفسه قادرا على العودة من جديد.
ويوضح "التكتيكات القديمة المتمثلة في حرب العصابات والعمل السري التي يهدد بالعودة إليها تدخل ضمن استراتيجيته الجديدة، فهو يعمل حاليا على إعادة بث الحماس في خلاياه السرية النائمة بعد خيبة الأمل التي أصيب بها عند تبخر حلم الخلافة".