امراة وطفلها بمحوى الرماح شمالي صنعاء/إرفع صوتك
امراة وطفلها بمحوى الرماح شمالي صنعاء/إرفع صوتك

بعد نحو ثلاثين عاما قضتها في حياة زوجية تعيسة، حصلت اليمنية نور علي على الطلاق أخيرا، لكن الأمر استغرق نحو نصف عام من الترافع أمام المحاكم والتدخل الأسري في سبيل “الخلاص ونيل الحرية”، كما تقول. 

ويكفل قانون الأحوال الشخصية اليمني للرجل الحق في طلاق زوجته بدون الرجوع إليها أو إلى أحد، بكلمة واحدة خارج المحكمة، لكن القانون لا يمنح هذا الحق للزوجة التي يتوجب عليها، إذا أرادت الطلاق (فسخ عقد الزواج) التقدم بدعوى للمحكمة مبررة الأسباب.

تقول نور علي (45 عاما)، وهي أم لثلاثة أولاد وفتاة، “عانيت لسنوات من شتى أنواع العنف. كانت أسرتي تؤيد زوجي، وترفض طلبي بالطلاق منه بسبب مطالبتي بالإرث”.

وأمام هذا التعنت الأسري، اضطرت السيدة اليمنية كما تقول لموقع (ارفع صوتك) أن تلجأ لمنظمة محلية معنية بالدفاع عن حقوق المرأة، حيث تم إدخالها دارا لرعاية المعنفات، بهدف حمايتها حتى حصولها على الطلاق والإرث.

توضح “مكثت هناك نحو شهرين عانيت خلالها الكثير، للأسف لم تهتم المنظمة بقضيتي، بل سعت إلى عرقلة سير القضية والتآمر ضدي”.

وبعد أشهر من التقاضي غير المثمر، حصلت نور على ما تريد، إثر ضغوط كبيرة مارسها والد طليقها وآخرون على الزوج لإجباره على الطلاق، عقب اطلاعهم على تفاصيل القضية، حسب قولها.

“وجود نص قانوني يمنح الزوجة حق تطليق نفسها، والتشارك في العصمة، سيحد من معاناة كثير من اليمنيات”، تقول نور.

تأكيد قانوني

ووفقا لقانون الأحوال الشخصية اليمني، فإن من الواجب على المرأة السمع والطاعة للرجل، فضلا عن حق الزوج في أن يطلق زوجته بمجرد النطق بكلمة الطلاق ثلاث مرات أمام شهود.

كما بإمكان الزوج إرجاع زوجته بعد أن يطلقها دون رضاها أو رضى أوليائها، وفقا للقانون.

“طلقت زوجتي الأولى ثلاث مرات شفهيا، وثقت ذلك لاحقا لدى أمين شرعي، ولم أعمد وثيقة الطلاق في المحكمة”، قال يمني ثلاثيني يدعى أبو نضال، في تأكيد واضح على غياب نص قانوني ينظم هذه العملية.

الحرب

وحسب مها عوض، وهي رئيس مؤسسة وجود للأمن الإنساني (منظمة مدنية محلية)، “هذا الموضوع يمثل قمة الظلم والتمييز ضد النساء، لأنه من تبعيات الولاية والقوامة المتروكة مطلقا للرجل”.

أضافت مها، وهي أيضا ناشطة حقوقية بارزة في مدينة عدن الجنوبية، لموقع (ارفع صوتك) “هناك انتهاكات كثيرة ضد اليمنيات فيما يتعلق بالطلاق والرجعة، كنا كمجتمع مدني بدأنا نعمل على هذا الجانب لكن الحرب أنهت كل شيء”.

وتتحدث الدكتورة  افتكار المخلافي، أستاذ الفقه المقارن المشارك في كلية الشريعة بجامعة صنعاء، عن ثغرات كثيرة في قانون الأحوال الشخصية اليمني الذي يجيز للمرأة فسخ عقد الزواج، شريطة التقدم بدعوى مسببة إلى المحكمة.

تقول لموقع (ارفع صوتك) “ينص القانون أنه إذا تقدمت المرأة بطلب كهذا وجب على القاضي أن يتحرى السبب، فإن ثبت له، عيّن له حكما من أهل الزوج وحكما من أهلها للإصلاح بينهما، وإلا أمر الزوج بالطلاق فإن امتنع حكم بالفسخ وعليها أن ترجع المهر”.

وأكدت “ينطبق هذا حتى إن توصل الحكمان إلى أن الحل هو الطلاق”.

“هذا نص غير منطقي، لا يتوافق مع حكم الله”، على حد قولها.

وتقول الدكتورة افتكار المخلافي، “بأنه أثناء التعديلات التي أجريت على القانون عامي 98 و99 تم حذف مادة مهمة تتعلق بالطلاق التعسفي”.

وحسب نص هذه المادة، يلزم الزوج بالتعويض في حاله تعسفه بالطلاق.

“طالما حق الطلاق بيد الرجل وحده بالتأكيد فأن هناك رجال يتعسفون في استخدام هذا الحق، وبإلغاء هذا النص فإن المشرع اليمني مهد لهم الطريق”، تقول الدكتور افتكار التي أشارت إلى فجوات أخرى كثيرة في موضوع الطلاق والفسخ تحديدا في اليمن.

ومن أبرز تلك الاشكاليات تطويل إجراءات التقاضي الذي قد تمتد من 5 إلى 10 سنوات، تحرم المرأة خلالها من أشياء كثيرة منها الزواج بشخص آخر”، كما تقول.

أضافت “لا يتوفر في اليمن محاكم خاصة بالأسرة وقضاة متخصصين أو هيئة تحكيم تضم مصلح اجتماعي ومعالج نفسي، يجب تفعيل ذلك وإدخال تعديلات على القانون تعالج كافة الإشكالات..”.

رأي الدين

خلافا لذلك، يقول الشيخ علي بن سالم، وهو عالم دين يمني بارز، أن “الله هو من جعل مسألة الطلاق والعصمة بيد الرجل بنص قرآني”.

“لا يجوز مناقشة هذه المسألة، هذا عبث يكاد يكون كفرا”، على حد تعبير الرجل الذي يرأس مجلس علماء السنة في مدينة تريم جنوبي شرق اليمن.

لكن الأكاديمية المتخصصة في الفقه المقارن افتكار المخلافي تؤكد أن هناك خلافا حول هذه المسألة في الفقه الإسلامي.

ودللت على ذلك بأن المذهب الحنفي يجيز أن تكون العصمة للمرأة، حال اشتراطها عند عقد الزواج وموافقة الزوج على ذلك.

وتعتقد نبيلة الزبير، وهي ناشطة يمنية بارزة، أن الأعراف والتقاليد والعادات، فضلا عن غياب الوعي الاجتماعي، كرست هذا التمايز بين الزوجين.

“مخرجات الحوار الوطني الشامل وضعت ضوابط للزواج وما يترتب عليه مرضية للزوج والزوجة، بمعنى لا طلاق قبل العودة للقضاء والقانون، وهذا ما يجب أن يعالجه الدستور اليمني القادم”، أضافت الزبير، التي كانت عضوا فاعلا في مؤتمر الحوار الوطني الذي أدارته الأمم المتحدة بين القوى الوطنية عام 2013-2014.

الدول العربية

لا تقتصر حرية الزوج في الطلاق بإرادته المنفردة على اليمن فحسب، بل تشمل دولا عربية كمصر والكويت والأردن وفلسطين وسوريا والسعودية.

لكن الأمر يختلف في دول المغرب العربي، كتونس والمغرب والجزائر، التي حدت رسميا من حرية الزوج في الطلاق بإرادته المنفردة، مشترطة أن يتم الطلاق تحت إشراف القضاء، وبأنه حق لكل من الرجل والمرأة.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.