في نهاية سنة 2013، انتشر مقطع صوتي مسرب لوزير الدفاع المصري (حينها)، عبد الفتاح السيسي يتحدث فيه عن حلم رواده وهو شاب بأنه سيحكم مصر.
كان السيسي يتحدث إلى رئيس تحرير صحيفة "المصرى اليوم" ياسر رزق. وقال في تصريحات، طلب من الصحافي عدم نشرها، إن له "تاريخا طويلا في الرؤى"، وإنه "كانت له دائما منامات".
حكى السيسي، الذي أصبح لاحقا رئيسا لمصر، أربعة "رؤى". قال في إحداها إنه رأى في منامه الرئيس السابق محمد أنور السادات. وفي حديثهما، قال السيسي للسادات "أنا عارف أني هابقى رئيس جمهورية".
وفي حلم آخر، رأى السيسي نفسه وهو يحمل سيفا مكتوبا عليه "لا إله إلا الله" باللون الأحمر. وفي حلم ثالث، قيل له "هانديك اللي ماديناهوش لحد.." (سنعطيك ما لم نعط أحدا).
أبدى الرئيس المصري اهتماما واضحا بالرؤى، لكنه قال إنه توقف عن الحديث في الموضوع منذ ثماني سنوات.
بمجرد انتشار الفيديو المسرب، اندلعت حرب التأويلات. على إحدى القنوات المصرية، قالت "مفسرة أحلام" إن نبوءات السيسي تتحقق. وعلى يوتيوب قال "مفسر" آخر إن اللون الأحمر على سيف السيسي يشير إلى الانتهاكات "بحق المسلمين".
رؤى الإخوان.. مرسي يصلي بالنبي!
أثارت "رؤى" عبد الفتاح السيسي سخرية واسعة، خاصة في صفوف أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها. لكن الجماعة نفسها تفرد للرؤى والمنامات حيزا واسعا في أدبياتها.
مؤسس الجماعة نفسه حسن البنا يقول في مذكراته ("مذكرات الدعوة والداعية") إنه حين تقدم، وهو صبي، لامتحان دار العلوم التابعة للأزهر، جاءه أحد "العلماء الفضلاء" في منامه وراجع معه فقرات محددة من ألفية ابن عقيل.
في اليوم التالي، جاءت أغلب أسئلة الامتحان حول الفقرات التي راجعها البنا في منامه.
في عهد الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، حضرت الرؤى الممجدة للرئيس الإسلامي بقوة على شبكة الإنترنت.
جمال عبد الهادي، الداعية الإسلامي المصري المعروف (صدر في حقه حكم بالإعدام منتصف سنة 2014)، حكى في محاضرة له في آذار/مارس 2013 "رؤيا" (لأحدهم) تقول إن النبي محمد حضر مجلسا، وطلب من الرئيس محمد مرسي أن يؤم الناس في الصلاة.
"رؤيا" ثانية حكاها عبد الهادي في المحاضرة ذاتها تقول إن شخصا وصفه بالصالح رأى ثماني حمامات خضراء تحط على كتف مرسى. صاحب الرؤيا أول رؤياه بأن مرسي "سيكمل المدتين". حدث العكس تماما. أطيح به بعد عام واحد فقط على توليه الرئاسة.
حتى بعد سقوط مرسي، استمر عبد الهادي في قص الرؤى. قال من على منصة ميدان رابعة العدوية إن "رؤى تواترت على ألسنة الصالحين في المدينة المنورة. يقولون إنهم شاهدوا جبريل عليه السلام في مسجد رابعة العدوية يثبت المصلين".
استخدمت الرؤى أيضا سلاحا ضد جماعة الإخوان المسلمين. شيخ الطريقة الشرنوبية البرهامية الصوفية عبد المجيد الشرنوبى قال إنه رأى فوز أحمد شفيق برئاسة مصر في "رؤيا ربانية" و"كشف صوفي". فاز مرسي بالانتخابات بنسبة 51.7 في المئة.
خلافة 2006!
في سنة 2006، أثارت جماعة العدل والإحسان المغربية جدل واسعا، بعد انتشار "رؤى" منسوبة لأعضائها تقول إن حدثا عظيما سيقع ذلك العام.
واكب الجدل تصريحات لقيادة الجماعة تقول إن البلاد مقبلة على تغيير جذري سنة 2006.
معارضو الجماعة اتهموها بنشر دعاية مفادها أن "الخلافة ستقع في 2006". في المقابل، تقول الجماعة إنها "لم تدخل في التفاصيل" وإنها اكتفت بالقول إن “حدثا مهما سيقع في هذه السنة، فيه مصلحة كبيرة للمسلمين”.
وحتى بعد نهاية العام، أصر مسؤولو الجماعة أن "سنة 2006 لم تكن كغيرها من السنوات التي خلت"، كما ورد في تصريحات لعبد الواحد متوكل الأمين العام للدائرة السياسية للجماعة.
وتعتبر العدل والإحسان أقوى تنظيم إسلامي في المغرب، وهي لا تشارك في الانتخابات. تجادل الجماعة أنها قانونية، لكن السلطة تقول إنه غير معترف بها. وتسعى الجماعة إلى إقامة "الخلافة على منهاج النبوة".
الذخيرة لا تنفذ والطيور تقاتل معنا!
لم تحضر "الرؤى" و"المنامات" و"الكرامات" في معركة مثلما حضرت خلال مرحلة "الجهاد الأفغاني" (1979-1989).
كانت الرؤى والكرامات وروايات الملاحم سلاحا نفسيا للمقاتلين الأفغان في مواجهة أحد أقوى الجيوش في العالم، جيش الاتحاد السوفياتي.
شيخ "المجاهدين العرب" عبد الله عزام خصص لرؤى وكرامات "المجاهدين" كتابا كاملا أسماه "آيات الرحمان في جهاد الأفغان".
يقول عزام، الذي توفي سنة 1989، إن الرّصاص لم يكن يخترق أجساد "المجاهدين" وإن الطيور كانت تحوم حول المعسكرات للتنبيه على قصف روسي وشيك، وإن النور كان يصعد من جسد "الشهداء".
في إحدى صفحات الكتاب، يقول عزام: "حدثني جلال الدين حقاني: أعطيت مجاهدا بضع رصاصات ونزل المعركة وأطلق رصاصا كثيرا ولم تنقص الرصاصات وعاد بها".
وفي مكان آخر: "حدثني فتح الله قال: حدثني أحد المجاهدين عندي اسمه (حكيم) قال: أخرجنا الشهيد تمير خان بعد سبعة أشهر من قبره ولم يتغير ودمه لا زال يسيل برائحة المسك".
دفع الهوس بالرؤى والكرامات أحد قادة التيار الجهادي، أبو مصعب السوري، إلى توجيه نقذ لاذع لرفاقه في السلاح.
كتب السوري، الذي شارك في القتال في أفغانستان، مقالا بعنوان "رؤى وأحلام أم تمنيات وتخيلات وأوهام"، قال فيه إن ظاهرة الرؤى غزت الأوساط الجهادية.
وسخر القيادي الجهادي من الرؤى التي كان المقاتلون الأفغان يحكونها، خاصة رؤيتهم في المنام أن عبد رب الرسول سياف، وهو أحد قادة المجاهدين الأفغان، سيصبح الخليفة القادم!
ويتابع السوري ساخرا أيضا "توزعت بعض المنامات على باقي قادة الجهاد الأفغاني كلا بحسب فتى أحلامه. فهذا يطير بلا محركات! وثان يقدم على حصان أبلق بثوب أخضر! وثالث يضع في جيبه الشيكات فيتسع لكل ما وضع فيه رغم صغر الجيب".
ويلخص أبو مصعب السوري، الموجود حاليا في السجون السورية، رأيه في العبارة التالية "تعددت المنامات والوهم واحد".