يخلد المسلمون ذكرى هجرة النبي محمد إلى يثرب عام 622م.
يخلد المسلمون ذكرى هجرة النبي محمد إلى يثرب عام 622م.

تحل بعد أيام قليلة السنة الهجرية الجديدة 1440.

يخلد المسلمون فيها ذكرى هجرة النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة حاليا)، عام 622م، فرارا من إيذاء قريش.

واعتمد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هذا الحدث المفصلي في تاريخ الإسلام أساسا للتقويم الهجري الذي يتكون من 12 شهرا قمريا.

الهجرة واجبة!

أخذت "الهجرة" حيزا مهما في كتب السير والتراث الإسلامي. وذهب بعض الفقهاء إلى التأصيل لها كـ"واجب ديني" في ظروف محددة.

هكذا، قسم الفقهاء العالم إلى "دار حرب" و"دار إسلام" تفصل بينهما "الهجرة"، حيث لا يجوز لأي مسلم مبدئيا أن يقيم في ما أطلقوا عليه "دار الكفر".

أسقطت التنظيمات الجهادية هذا التقسيم على المجتمعات المعاصرة. واعتبرت أن الدول الإسلامية الحالية هي دول كافرة (لا يعني هذا تكفير الأفراد) لعدم تحكيمها الشريعة.

وعلى هذا الأساس، أوجبت الهجرة منها والالتحاق بـ"جماعة المجاهدين" من أجل الإطاحة بالحكومات القائمة وبناء الدولة الإسلامية من جديد.

​​​مجتمعات جاهلية!

استفادت هذه الجماعات من تنظيرات مفكرين معاصرين مثل المصري سيد قطب (1906-1966م)، في تنظيره لـ"جاهلية المجتمع".

واستلهمت أيضا اجتهادات فقهاء قدماء، خاصة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية. 

“لا يتم الجهاد إلا بالهجرة، ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان”، يقول ابن القيم الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، في كتاب “إعلام الموقعين”.

ويقول ابن تيمية (1263- 1328م) "إن الله لم يأذن للمسلمين بالقتال إلا بعد هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة، ثم أوجب الله بعد ذلك على المسلمين قتال كل من بلغته دعوة النبي محمد ولم يستجب لها".

ولم تستثن الهجرة حتى المساجد، التي اعتبرها كثير من المتشددين "موشومة شرعيا" و"مساجد ضرار".

وكانت “جماعة الدعوة والهجرة”، أو “جماعة التكفير والهجرة” كما أصطلح عليها إعلاميا، بقيادة شكري مصطفى، من أول الجماعات الجهادية التي نادت بالهجرة.

وزعمت هذه الجماعة أن هناك ثلاثة أنواع من الهجرة هي: هجرة الأمن التي يهاجر المسلم فيها إلى مكان لا يظلم فيه، وهجرة الإيمان وهي هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وهجرة آخر الزمان التي يهاجر المسلمون فيها إلى أرض الشام.

وبالفعل، دعت هذه الجماعة أتباعها للهجرة إلى الجبال في محافظة المنيا من أجل التجمع والتدريب والاستعداد ثم الخروج لمقاتلة "أرض الكفر" في مصر وإقامة الإسلام فيها. لكن هذه الدعوة بقيت محدودة.

لاحقا، مثلت مرحلة "الجهاد الأفغاني (1979-1989) علامة فارقة في الهجرة الجهادية المعاصرة.

واجتذب الغزو السوفييتي للبلاد نحو 35 ألف شخص من المقاتلين من مختلف البلدان الإسلامية (غالبيتهم سلفيين).

في إحدى محاضراته، خلال هذه الفترة، قال عبد الله عزام شيخ العرب الأفغان، إن “الهجرة أمر واجب في أعناق البشر وفرض إلهي للجهاد في سبيل الله"

وكان لعزام دور رئيس في تجنيد العرب الأفغان وتنظيم ترتيبات سفرهم وإقامتهم وتدريبهم.

بعد نهاية الحرب، مطلع التسعينات، انتمى كثير من الأفغان العرب إلى تنظيمات جهادية على رأسها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.

هجرة داعشية

“يا أيها المسلمون في كل مكان! من استطاع الهجرة إلى الدولة الإسلامية فليهاجر! فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة”.

بهذه الكلمات بدأ زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي عهده بعدما أعلن تنصيب نفسه “خليفة للمسلمين”، في أول ظهور علني له في يوليو/تموز 2014.

​​وقال البغدادي في خطبته من مدينة الموصل شمال العراق "نخص بندائنا طلبة العلم والفقهاء والدعاة وعلى رأسهم القضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية والأطباء والمهندسين في كافة الاختصاصات والمجالات (...) فإن النفير عليهم واجب لحاجة المسلمين الماسة إليهم”.

وخلال عامين فقط، بين 2014 وأواخر 2015، سافر ما بين 27 ألف شخص و31 ألف شخص إلى سورية والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش وباقي الجماعات المتطرفة.

لكن مع هزيمة تنظيم داعش، بدأ "المهاجرون" في العودة إلى دولهم التي كانوا إلى وقت قريب يسمونها "ديار كفر".

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.