تحل بعد أيام قليلة السنة الهجرية الجديدة 1440.
يخلد المسلمون فيها ذكرى هجرة النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب (المدينة المنورة حاليا)، عام 622م، فرارا من إيذاء قريش.
واعتمد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هذا الحدث المفصلي في تاريخ الإسلام أساسا للتقويم الهجري الذي يتكون من 12 شهرا قمريا.
الهجرة واجبة!
أخذت "الهجرة" حيزا مهما في كتب السير والتراث الإسلامي. وذهب بعض الفقهاء إلى التأصيل لها كـ"واجب ديني" في ظروف محددة.
هكذا، قسم الفقهاء العالم إلى "دار حرب" و"دار إسلام" تفصل بينهما "الهجرة"، حيث لا يجوز لأي مسلم مبدئيا أن يقيم في ما أطلقوا عليه "دار الكفر".
أسقطت التنظيمات الجهادية هذا التقسيم على المجتمعات المعاصرة. واعتبرت أن الدول الإسلامية الحالية هي دول كافرة (لا يعني هذا تكفير الأفراد) لعدم تحكيمها الشريعة.
وعلى هذا الأساس، أوجبت الهجرة منها والالتحاق بـ"جماعة المجاهدين" من أجل الإطاحة بالحكومات القائمة وبناء الدولة الإسلامية من جديد.
زعيم #داعش ابو بكر البغدادي يدعو المسلمين في أنحاء العالم للهجرة إلى "الدولة الإسلامية" ويقول الهجرة "لديار الإسلام" واجبة
— لوريس قسطنطين (@LauriceC) July 1, 2014
مجتمعات جاهلية!
استفادت هذه الجماعات من تنظيرات مفكرين معاصرين مثل المصري سيد قطب (1906-1966م)، في تنظيره لـ"جاهلية المجتمع".
واستلهمت أيضا اجتهادات فقهاء قدماء، خاصة ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية.
“لا يتم الجهاد إلا بالهجرة، ولا الهجرة والجهاد إلا بالإيمان”، يقول ابن القيم الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، في كتاب “إعلام الموقعين”.
ويقول ابن تيمية (1263- 1328م) "إن الله لم يأذن للمسلمين بالقتال إلا بعد هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة، ثم أوجب الله بعد ذلك على المسلمين قتال كل من بلغته دعوة النبي محمد ولم يستجب لها".
ولم تستثن الهجرة حتى المساجد، التي اعتبرها كثير من المتشددين "موشومة شرعيا" و"مساجد ضرار".
وكانت “جماعة الدعوة والهجرة”، أو “جماعة التكفير والهجرة” كما أصطلح عليها إعلاميا، بقيادة شكري مصطفى، من أول الجماعات الجهادية التي نادت بالهجرة.
وزعمت هذه الجماعة أن هناك ثلاثة أنواع من الهجرة هي: هجرة الأمن التي يهاجر المسلم فيها إلى مكان لا يظلم فيه، وهجرة الإيمان وهي هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة، وهجرة آخر الزمان التي يهاجر المسلمون فيها إلى أرض الشام.
وبالفعل، دعت هذه الجماعة أتباعها للهجرة إلى الجبال في محافظة المنيا من أجل التجمع والتدريب والاستعداد ثم الخروج لمقاتلة "أرض الكفر" في مصر وإقامة الإسلام فيها. لكن هذه الدعوة بقيت محدودة.
لاحقا، مثلت مرحلة "الجهاد الأفغاني (1979-1989) علامة فارقة في الهجرة الجهادية المعاصرة.
واجتذب الغزو السوفييتي للبلاد نحو 35 ألف شخص من المقاتلين من مختلف البلدان الإسلامية (غالبيتهم سلفيين).
في إحدى محاضراته، خلال هذه الفترة، قال عبد الله عزام شيخ العرب الأفغان، إن “الهجرة أمر واجب في أعناق البشر وفرض إلهي للجهاد في سبيل الله"
وكان لعزام دور رئيس في تجنيد العرب الأفغان وتنظيم ترتيبات سفرهم وإقامتهم وتدريبهم.
بعد نهاية الحرب، مطلع التسعينات، انتمى كثير من الأفغان العرب إلى تنظيمات جهادية على رأسها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.
هجرة داعشية
“يا أيها المسلمون في كل مكان! من استطاع الهجرة إلى الدولة الإسلامية فليهاجر! فإن الهجرة إلى دار الإسلام واجبة”.
بهذه الكلمات بدأ زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي عهده بعدما أعلن تنصيب نفسه “خليفة للمسلمين”، في أول ظهور علني له في يوليو/تموز 2014.
من المضحك أن يسمي تنظيم داعش اﻹرهابي وأذنابه ساحة القتل والزنا وإستعباد الناس وبيع النساء بدار اﻹسلام #الهجرة_إلى_دار_الإسلام_واجبة
— خالد الزعتر (@khzaatar) September 15, 2014
وقال البغدادي في خطبته من مدينة الموصل شمال العراق "نخص بندائنا طلبة العلم والفقهاء والدعاة وعلى رأسهم القضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والإدارية والخدمية والأطباء والمهندسين في كافة الاختصاصات والمجالات (...) فإن النفير عليهم واجب لحاجة المسلمين الماسة إليهم”.
وخلال عامين فقط، بين 2014 وأواخر 2015، سافر ما بين 27 ألف شخص و31 ألف شخص إلى سورية والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش وباقي الجماعات المتطرفة.
لكن مع هزيمة تنظيم داعش، بدأ "المهاجرون" في العودة إلى دولهم التي كانوا إلى وقت قريب يسمونها "ديار كفر".