مخلفات هجوم سابق لتنظيم القاعدة في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية
مخلفات هجوم سابق لتنظيم القاعدة في اليمن/وكالة الصحافة الفرنسية

صنعاء- غمدان الدقيمي:

يسقط عشرات الجنود بين قتيل وجريح يوميا بهجمات إرهابية لجماعات متطرفة على مقرات وحواجز عسكرية وأمنية في دول عربية واسلامية عدة، بينها العراق ومصر واليمن والصومال وافغانستان وباكستان.

يبرر الإرهابيون جرائمهم بحق الجنود والموظفين الحكوميين بأنهم يندرجون ضمن “الطائفة الممتنعة”، واعوانها الذين يتوجب قتالهم “وان صلوا وصاموا”، حتى يكون الدين كله لله.

 

والطائفة الممتنعة، هي “أية طائفة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة...”، وفقا للإمام الحنبلي المثير للجدل تقي الدين ابن تيميه (المتوفي سنة 728 هـ)، في كتابه الشهير “الفتاوى الكبرى”.

ويعد ابن تيمية الذي يطلق عليه “شيخ الإسلام”، أحد أبرز رجال الدين الذين اشتغلوا على التأصيل لفقه التكفير والجهاد في التراث الإسلامي.

وتستند الجماعات الإسلامية المتشددة غالبا إلى فتاوي ابن تيمية في تبرير عملياتها الإرهابية، بما فيها تلك التي تطال المدنيين الأبرياء، ويكون ضحاياها مسلمين أيضا.

يقول ابن تيمية “أجمع علماء الأمة على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضة أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء، والأموال والخمر والزنا والميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها والتي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا عند العلماء”.

كما يستشهد المنظرون لقتال “الطائفة الممتنعة” بعديد الآيات القرآنية والروايات المنسوبة للنبي محمد، يقولون إنها توجب الجهاد ضد هذه الفئة من الناس الذين يصفونهم بـ “المرتدين”، و“الجاحدين”، و“الخوارج”، و“المعطلين لشرع الله”.

ومن تلك الآيات قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.

وبالاستناد إلى هذه، ذهب العديد من فقهاء المسلمين، للتأصيل لمصطلح “الطائفة الممتنعة”، لتشمل الدول والحكومات الإسلامية التي “ارتضت الاحتكام للدساتير والقوانين الوضعية من دون الله”. ويدخل في هذا الحكم قيادات تلك الدول واجهزتها الأمنية والعسكرية والمدنية ومن يتعاون معها أو ناصرها.

ضحايا التكفير.. مسلمون

يقول ابن تيمية في كتابه "دقائق التفسير": "فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم". واستغلت الجماعات الإرهابية هذه الفتاوى الفقهية في التسويغ لجرائمها واستباحة دماء الأبرياء.

خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، رصد مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، نحو 21 عملية إرهابية في 13 دولة بينها الصومال والعراق واليمن وتونس، أوقعت 72 قتيلا و182 جريحا بينهم جنود وضباط في الجيش والشرطة.

وكانت الجماعات الإرهابية نفذت في أيلول/سبتمبر الماضي حوالي 23 عملية إرهابية في 20 دولة، بينها العراق وفلسطين والصومال وسورية وليبيا واليمن والجزائر وتونس ومصر، أوقعت أكثر من 320 قتيلا، وأكثر من 1500 جريح، حسب بيانات وثقها مراسل (ارفع صوتك).

كما كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، عن عمليات إعدام 1967 مدنيا وعسكريا حرقا وذبحا ورميا بالرصاص على أيدي الجماعات الإرهابية في 2017.

وحسب المرصد ذاته قتل أكثر من 16 ألف شخص على الأقل من المدنيين وقوات الجيش والشرطة بعمليات إرهابية وانتحارية نفذها متطرفون إسلاميون خلال نفس الفترة. سقط معظم هؤلاء الضحايا في العراق وسورية.

 

دليل القاعدة

يعتبر كتاب “الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث”، الذي الفه فارس آل شويل الزهرانى، المكنى أبو جندل، سعودي الجنسية، أحد أدبيات تنظيمي داعش والقاعدة لتبرير قتل عناصر الشرطة والجيش.

وافتى أبو جندل، بجواز قتال الجيوش العربية التي وصفها بالكافرة، قائلا إنه “إذا كان قتال الطائفة الممتنعة عن أداء واجب من واجبات الدين الظاهرة واجب بأدلة الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة.. فإن قتال هذه الجيوش المحاربة لله ولرسوله وللمؤمنين، والتي لا تلتزم بشيء من واجبات وأركان هذا الدين (..) أولى وأوجب من قتال الفئة التي تمتنع عن أداء آحاد الواجبات الدينية”، على حد تعبيره.

ويوافقه في ذلك، أبو بصير الطرطوسي، وهو رجل دين مناصر لفكرة جواز قتل الجيوش العربية والإسلامية في كتابه “مسائل هامة في بيان حال جيوش الأمة”.

الطرطوسي وصف هذه الجيوش بأنها “عسكر الشيطان”.

وقال إنهم بصفاتهم الحسنة الأخرى، مثل جيش التتار، مستشهدا بقول ابن تيمية “فإن التتار يتكلمون بالشهادتين، ومع هذا فقتالهم واجب بإجماع المسلمين”.

كذلك برر أبو أسامة المصري، زعيم جماعة أنصار بيت المقدس، عملياتهم الإرهابية ضد الجنود المصريين في سيناء، بقوله إنهم “جند الطاغوت”. وفي رسالة صوتية له “قتلناهم لأن الله أمرنا بذلك”، يضيف زعيم الجماعة التي أصبحت تسمى “ولاية سيناء” بعد مبايعتها لتنظيم داعش عام في 2014.

 

ليست ديناً؟

على خلاف ما سبق، يرى فؤاد عبد الولي، وهو رجل دين يمني سني بارز، أن “هذه المسألة لا يوجد لها سند شرعي، وليست مؤصلة شرعا في النصوص القرآنية”.

يضيف عبد الولي، وهو أيضا خبير قانوني، لموقع (ارفع صوتك) “أقوال العلماء بما فيهم ابن تيمية هي آراء وليست ديناً”.

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.