قوات إيرانية تنتشر بعد هجوم تعرض له مبنى البرلمان وسط طهران/وكالة الصحافة الفرنسية
قوات إيرانية تنتشر بعد هجوم تعرض له مبنى البرلمان وسط طهران/وكالة الصحافة الفرنسية

غمدان الدقيمي

لا يزال مصير 14 عنصراً من قوات البسيج والحرس الثوري، مجهولا حتى الآن منذ اختطافهم يوم الثلاثاء الماضي (16 تشرين الأول/ أكتوبر 2018)، في منطقة لولكدان الحدودية مع باكستان.

جماعة سنية إيرانية تسمي نفسها “جيش العدل” تبنت عملية الاختطاف التي تأتي بعد أقل من شهر على مقتل 25 شخصاً بينهم 12 عنصراً من الحرس الثوري بهجوم إرهابي استهدف في 22 أيلول/ سبتمبر الماضي، عرضا عسكريا في منطقة الأهواز جنوبي غرب إيران.

في الحالتين اتهمت وسائل الإعلام الحكومة الإيرانية جماعات إرهابية بتبني الهجومين، فيما القت طهران باللوم على دول مجاورة بينها السعودية والإمارات وباكستان في دعم أنشطة تلك الجماعات المطالبة بالانفصال.

ويربط مراقبون ومحللون سياسيون بين تصاعد الهجمات الإرهابية داخل إيران، ودورها الإقليمي المتزايد في دعم نشاط الجماعات والتنظيمات المسلحة في اليمن وسورية والعراق ولبنان. ويؤكد هؤلاء أن "طهران تشرب من نفس الكأس الذي سقت به الجميع".

استراتيجية جديدة

واشعلت الهجمات الإرهابية الأخيرة في إيران اتهامات وتهديدات إيرانية - خليجية متبادلة، وصولاً إلى تحميل كل طرف للطرف الآخر المسؤولية عن تأجيج الكراهية والنزاع الطائفي والتدخل في شؤن الدول الأخرى.

وتوعد الزعيم الإيراني آية الله خامنئي بمعاقبة السعودية والإمارات بشدة، بعد أن اتهمهما بتمويل المهاجمين الذين استهدفوا العرض العسكري بمنطقة الأهواز، في ذكرى انطلاق الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988).

كما اتهم نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، الولايات المتحدة وإسرائيل بالتورط في الهجوم، وقال إن عليهما أن يتوقعا ردا مدمرا.

السعودية والإمارات، رفضتا تورطهما بالهجوم.

وطلبت الرياض من إيران التصرف كدولة مسؤولة، وأن تبحث عن "رفاهية شعبها بدلا من إهدار مقدراته بدعم الإرهاب والطائفية والتطرف”.

بدوره أعتبر وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس ادعاء طهران بتورط واشنطن أمر “مثير للسخرية”.

وأقر الرئيس ترامب مؤخرا استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، ركزت كثيرا على إيران، واعتبرتها الممول الرئيسي للإرهاب الدولي.

وتتهم السعودية التي تقود تحالفا عسكريا ضد جماعة الحوثيين في اليمن منذ آذار/مارس 2015، إيران بدعم تمرد الجماعة الشيعية المسلحة على الحكومة الشرعية، ومدها بتقنيات وأسلحة متطورة، بينها صواريخ بالستية وطائرات مسيرة.

ونفت طهران مرارا اتهامات من هذا النوع.

ومنذ انطلاق العمليات العسكرية في اليمن قبل ثلاث سنوات، تقول الرياض بان الحوثيين شنوا أكثر من 200 هجوم بالصواريخ البالستية عبر الحدود باتجاه الأراضي السعودية، ما أسفر عن سقوط 130 قتيلا على الأقل في صفوف المدنيين.

وتقول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الخليجيون، إن الحوثيين نشروا بدعم من إيران صواريخ ومنظومة رادارات، وألغاما وقوارب مفخخة عند الساحل الغربي لليمن، في تهديد للملاحة الدولية عند مضيق باب المندب الذي يمر عبره نحو 12 في المئة من حجم التجارة العالمية.

 

مليارات الدولارات.. لماذا؟

وترعى إيران أيضا “حزب الله” اللبناني الذي يقاتل في صفوف قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم هو الآخر عسكريا وماديا من طهران.

وكشفت الخارجية الأمريكية في تقرير لها الأسبوع الماضي أن إيران أنفقت أكثر من 16 مليار دولار لدعم الإرهاب في العراق وسورية واليمن، خلال الثمانية الأعوام الماضية.

التقرير الذي أعدته مجموعة العمل الخاصة بإيران في الخارجية الأمريكية، قال إن النظام في طهران، نقل هذه الأموال بطرق ملتوية إلى المليشيات والجماعات التي تقاتل نيابة عنه في دول المنطقة.

وزير الخارجية الأمريكي، مايكل بومبيو، قال في تغريدة عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، “بينما يكافح الشعب الإيراني، فإن نظام إيران الخارج عن القانون، أهدر أكثر من 16 مليار دولار منذ عام 2012، لدعم الأسد وكذلك دعم شركائه الآخرين ووكلائه في سوريا والعراق واليمن”.

وارسل الحرس الثوري الإيراني، آلاف الجنود لدعم الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب المستعرة في سورية منذ أكثر من سبعة أعوام.

وتشير التقديرات إلى أن عدد الأجانب الشيعة الذين ارسلتهم طهران للقتال في سورية يتراوح ما بين 20 و30 ألفا.

أما في العراق، فيوجد أكثر من 70 فصيلا مسلحا يرتبط أغلبها عقائديا بإيران، ويحصل منها على الدعم والتسليح.

وصار من المألوف مشاهدة وحدات من تلك الفصائل وهي تستعرض قوتها في شوارع عديد المدن العراقية.

وفي مناسبات عدة، أكدت قوى شيعية عراقية مواقفها العدائية للوجود الأمريكي، معتبرين ذلك وفاءً منها لإيران، فقال هاشم الموسوي، المتحدث باسم حركة النجباء العراقية، منتصف آب/أغسطس الماضي “هذا وفائنا وديننا وموقفنا لإيران”.

ويقول صحفي عراقي، لموقع (ارفع صوتك) إن الأمر وصل ببعض تلك الفصائل إلى التهديد بسحق المتظاهرين الذين ينتقدون التدخل الإيراني في العراق.

يؤكد الصحفي الذي، فضل عدم ذكر اسمه، “الناس هنا في العراق يخافون أن يحكوا عن إيران وانتقاد دورها. إجمالا الحرس الثوري فرض هيمنته بالعراق”.

 

زرع الفتن والطائفية

في السياق تقول الدكتورة سلوى دماج، وهي ناشطة يمنية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، لموقع (ارفع صوتك) إن تدخل إيران وتواجدها السياسي والعسكري المباشر في لبنان والعراق وسورية واليمن أدى إلى “انتهاك سيادة هذه الدول، وتأسيس أذرع مسلحة داخلية، وزرع الفتن والطائفية، وتقسيم المجتمعات العربية”.

ويتفق في ذلك عبد الرب علي، وهو باحث سياسي يمني شاب، قائلا لموقع (ارفع صوتك) “إن هذه الجماعات أضعفت الدول الوطنية والدولة القومية العربية بشكل عام لصالح إيران”.

ويرى أن طهران تشرب اليوم من نفس الكأس الذي سقتها لغيرها بدعمها للجماعات الإرهابية والمتطرفة.

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.