وقفة احتجاجية لبهائيين وناشطين أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء مطلع نيسان/ أبريل 2016
وقفة احتجاجية لبهائيين وناشطين أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء مطلع نيسان/ أبريل 2016

صنعاء- غمدان الدقيمي:

لا يزال حامد بن حيدرة، وهو زعيم الطائفة البهائية في اليمن يقبع منذ خمس سنوات في السجن بانتظار تنفيذ حكم قضائي صدر مؤخرا بإعدامه بتهمة “التخابر مع إسرائيل”.

لكن منظمات حقوقية يمنية ودولية تقول إن الحكم الذي قضى أيضا بمصادرة أموال بن حيدرة (52 عاما)، وإغلاق كافة المحافل البهائية في اليمن، جاء على خلفية اتهامات تتصل بمعتقداته الدينية.

ويمثل حاليا نحو 24 بهائيا آخرا أمام محكمة أمن الدولة الخاضعة لسلطة الحوثيين في صنعاء، بتهم الردة، والتخابر مع إسرائيل وأميركا وبريطانيا.

لكن استهداف هذه الأقلية الدينية، غير مقتصر على اليمن فقط. وتتشابه معاناة البهائيين في معظم الدول العربية، حيث توجد أقليات لأبناء هذه الطائفة في تونس، المغرب، اليمن، الأردن، سورية، العراق، لبنان، مصر، الكويت والبحرين.

والبهائية هي أقلية دينية تؤكد على الوحدة الروحية للجنس البشري، نادى بها منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، شاب إيراني يدعى علي محمد الشيرازي.

الشيرازي لقب نفسه بالباب، وقال أن رسولا سيأتي قريبا من الله.

كما أكد على استمرار الرسالات الإلهية، مضيفا بأنه “واحد في سلسلة الرسل التي تضم محمدا وموسى والمسيح”.

وأسس لهذه الديانة رسميا في العام 1863، بعدما قال أحد أتباع الباب، وهو ميرزا حسين، إنه شاهد في السجن رؤيا بأنه الرسول الذي بشر به الباب، ولقب نفسه بهاء الله.

تعرض بهاء الله للنفي عدة مرات، وكتب “الكتاب الأقدس”، أحد أهم مرجعيات الديانة البهائية، قبل وفاته عام 1892.

ويشكو أبناء هذه الطائفة من الاضطهاد الديني والقمع والتكفير.

وتفاقمت مشاكل أفراد هذه الطائفة في الدول العربية على نحو لافت خلال السنوات الأخيرة، في ظل تراجع الحريات الدينية، وتصاعد نفوذ الجماعات السنية والشيعية المتشددة.

ولا تعترف معظم الدول العربية بالبهائية كأقلية دينية، بالرغم من أن بعض الدساتير العربية تكفل حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية.

 

الخوف من التنوع والاختلاف

ففي تونس التي بدأت فيها البهائية بالظهور للمرة الأولى عام 1921، لاتزال السلطات الحكومية هناك ترفض منحهم ترخيصا بتأسيس جمعية مدنية، بحجة أنها “تحمل اسم البهائية”.

وحتى مع الطعن بقرار السلطات أمام المحكمة الإدارية، “فان القضاء التونسي لم يبت فيه رغم مرور أكثر من ست سنوات”، كما يقول محمد بن موسى، وهو عضو مكتب الإعلام في المحفل الروحاني البهائي بتونس.

ويرى بهائيون تونسيون أن القرار تمييزٌ ضدهم، يتناقض مع روح الدستور والقانون والقيم والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الدولة.

ومع ذلك يواصل المحفل الروحاني المركزي البهائي بتونس عمله رغم عدم حصوله على رخصة قانونية حتى اليوم.

ويقول بن موسى، الذي تحول من الإسلام إلى البهائية منذ أكثر من عشر سنوات، لموقع (ارفع صوتك) “حاليا التنوع والاختلاف يخيف كثير من الناس. من غير اللائق في القرن الـ 21 إن الناس لا تسمع من زوايا مختلفة”.

ويرفض بن موسى ما ينسبه البعض إلى الديانة البهائية من اتهامات بـ “الكفر”، ويؤكد أن التكفير يتنافى مع الدستور التونسي والأعراف الدولية.

“نحن نعتقد في صدق “الحبيب” صلى الله عليه وسلم، فكيف يتهم بالردة من يقرّ بأحقية الرسالة المحمدية؟”، يقول بن موسى.

 

تأسست في العراق وممنوعة فيه

لكن الوضع أسوأ في العراق، التي أعلن فيها (بهاء الله) مؤسس الديانة البهائية دعوته علنيا عام 1863، بعد أن قضى فيها 10 سنوات منفياً.

وكانت العراق خلال تلك الفترة مركزاً للديانة البهائية.

وحسب الدكتور سعد سلوم، وهو باحث عراقي متخصص في شؤون الأقليات، فإن الاعتراف بالتعددية الدينية في دستور العراق الملكي عام 1925 مكنهم من ممارسة ديانتهم بحرية.

ويحتضن العراق بعض أهم المراكز المقدسة لدى الديانة البهائية.

واشتد تضييق الخناق وقتل الكثير من أتباع هذه الديانة وهدمت أماكنهم المقدسة، عقب سقوط حكم الملكيين نهاية الخمسينيات.

وعام 1970 أصدر نظام حزب البعث هناك قرارا بحظر الديانة البهائية رسميا.

ونص على معاقبة من يروج لها بالإعدام.

وحتى اليوم غير معترف هناك رسميا بالبهائيين، ولا يسمح لهم بإدراج ديانتهم في خانة الديانة ضمن الوثائق الثبوتية الرسمية، ويجبر أطفالهم على حضور درس الدين الإسلامي في المدارس بدلا من تدريسهم معتقدهم، فضلا عن اشكاليات توثيق الزواج وفقا للدين البهائي.

وتقول الدكتورة أصيل سلام، وهي ممثلة عن البهائيين في العاصمة بغداد، “مشكلتنا قانونية بالتحديد. يحزّ بأنفسنا أن الدستور العراقي لا يشمل حقنا كبهائيين، بينما هذا الحق (الحرية الدينية) مضمون للمسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين، لكنه في المقابل لم يوقفنا عن حبنا للعراق وشعورنا بالانتماء إليه، وهدفنا لتطويره”.

تضيف سلام، لموقع (ارفع صوتك)، “نريد معالجة وضعنا القانوني لإثبات هويتنا. وأيضا إعادة كافة الممتلكات التي صودرت”.

 

"شيطاني"

وفي اليمن، تواجه الأقلية البهائية اضطهادات وتهديدات متزايدة، فاقمها وصف زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، المعتقد البهائي بأنه “شيطاني”.

وفي وقت سابق الشهر الماضي، اتهم المفوض السامي لحقوق الإنسان جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران بالاستهداف المنظم للطائفة البهائية.

واتهمت الجامعة البهائية العالمية أكثر من مرة السلطات الإيرانية بالوقوف خلف الاضطهادات التي يتعرض لها بهائيو اليمن من طرف الحوثيين وحلفائهم.

 

في لبنان، يتواجد البهائيون أيضا منذ أكثر من قرن من الزمن.

ويتمتع أفراد هذه الطائفة بحرية ممارسة طقوسهم، لكن اشكاليتهم الرئيسة هي عدم اعتراف الدولة بهم، ما يولد لديهم صعوبات كبيرة في مسألة الأحوال الشخصية وعقود الزواج البهائي.

ويضطر كثيرا منهم للسفر إلى قبرص أو تركيا للزواج مدنيا ثم تثبيت الزواج في لبنان.

 

الأزهر يكفّرهم

ويعاني البهائيون في مصر من أوضاع قانونية، لا تتفق وحرية العقيدة المنصوص عليها دستوريا، حسب الدكتور سامح إسماعيل، وهو باحث مصري في فلسفة التاريخ والأديان المقارن، يقول لموقع (ارفع صوتك) “إضافة إلى الحمولة العنصرية لكلمة بهائي وما تحمله من دلالات تحمل في سياقاتها معطيات تحريضية، تعاني الطائفة البهائية من الاقصاء والتضييق، منذ أفتى شيخ الأزهر محمد الخضر حسين، منتصف القرن الماضي بكفر البهائيين”.

وأشار إلى أنه في ضوء هذه الفتوى تم اغلاق المحفل البهائي في ستينيات القرن الماضي.

أضاف الدكتور سامح، وهو أيضا رئيس تحرير تقرير الحالة الدينية -مدير الأبحاث بمركز دال (منظمة مدنية مصرية)، “خاض البهائيون في مصر صراعا قانونيا عنيفا، من أجل تدوين ديانتهم في البطاقة الشخصية”.

وكان البهائي هناك مجبرا على اعتناق الإسلام أو المسيحية أو اليهودية بشكل رسمي.

يقول سامح إنه “بعد جدال طويل حصل البهائيون على علامة (-) في خانة الديانة، وهو ما يعنى الإصرار على عدم الاعتراف بهم”.

وترفض الدولة في مصر الاعتراف بعقد الزواج البهائي، “كثيرا ما تعرضوا لمواقف حرجة وصلت حد استدعاء شرطة الآداب للمتزوجين”، حسب الدكتور سامح.

وفوق ذلك أخذت الدعاية ضد البهائيين صورا من العنف، أشهرها إحراق منازلهم في الشورانية بمحافظة سوهاج المصرية عام 2009.

المقابر تعترف بهم

الوضع في بلاد المغرب العربي أكثر ضبابية، حيث يعيش البهائيون في مناطق شبه معزولة، نظرا لقلة أعدادهم التي تقدر بالمئات.

في البحرين والكويت يوجد البهائيون منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث لا يتجاوزون 1 بالمئة من السكان.

يعيش هؤلاء في حالة يمكن ان يطلق عليها التقية، فهم لا يظهرون اعتقادهم، ولا يعبرون عن وجودهم.

وحسب الباحث في مجال الأديان سامح اسماعيل، “يمكن القول إن المقابر البهائية، هي المؤسسات الوحيدة التي تعترف بهم في الدول العربية”.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.