واظبت زينة نصر الله (34 عاما) على ارتداء قبعة داخل البيت، كي لا يلحظ طفلاها مريم ومعن ما حل بشعرها. وفي إحدى الليالي، بعد خلود معن (4 سنوات حينها) للنوم، خلعت القبعة، وأطلت على غرفته، لكنه رآها، فخرجت بسرعة. وبعد قليل نادى على أبيه خائفا ..
- مين عندنا؟ مين في بيتنا؟ شفت واحد فات..
- ماكو أحد
- لا أنا شفت رجال في بيتنا
- هاي ماما!
ثم دخلت زينة الغرفة بعدما ارتدت القبعة مجددا، لتنام بجانبه. وإذ به يقول لها "ماما أنا رحت الحلّاق البارحة، حرامات ما سويته صفر، تعرفين إنه أحلى.."
حضنته وسارعت إلى الحمام تبكي، تقول زينة.
رحلة صعبة، لكن..
تم اكتشاف إصابة زينة بسرطان الثدي حين كان عمرها 28 عاما. تقول: "ليس لدينا تاريخ عائلي، وليس مألوفا إصابة من هن في سني بالمرض". وفي العراق كانت نتيجة الفحص "ما في شي" لتسافر إلى لبنان مع زوجها عدي لاحقا وتأتي نتيجة الفحص "نعم، يوجد ورم"، ولكن وافق الأطباء على إجراء علاج غير كيميائي بناء على طلب زينة وزوجها، خصوصا حين لم يتم التأكيد على أن الورم خبيث.
وبعد عامين حين لم يؤت العلاج نتيجة إيجابية، اكتشف من خلال فحوصات أجرتها في الأردن أن المرض خبيث، عندها اقترحت أخت زينة وهي طبيبة نسائية، أن تلجأ للعلاج الكيميائي.
تقول زينة "عدنا إلى نقطة الصّفر، ولسنا في مرحلة استخدام الكيميائي فقط"، وقررت الخضوع لعملية الاستئصال كي "تنهي الموضوع"، بالإضافة لثماني جرعات كيميائية.
"هذه أصعب فترات حياتي، كيميائي، استئصال، إشعاع، إبر، لكن هذه التجربة غيّرتني".
وعبر الهاتف يصلني صوت زينة الواثق من تركيا، انتقلت إليها مع عائلتها باحثة عن مستقبل أفضل لأبنائها، بسبب تدهور الأوضاع في العراق، وكانت تركت عملها كمهندسة في إحدى الوزارات، لتؤسس عملا خاصا في تركيا.
وعندما اعتذرت لها إن كانت أسئلتي ستسبب إلما جراء استذكار مواقف مؤلمة، أجابت هي: "لا تقولي آسفة، لقد تجاوزت مرحلة أنه يؤلمني".
تسترسل زينة في الحديث، فهي تحب التعبير عن تجربتها والتغيير الإيجابي الذي أحدثته عليها، قائلة "أصبحتُ إنسانة مؤثرة على أغلب صديقاتي والناس الذين يعرفون قصتي. تحررتُ من القيود التي كنت فرضتها على نفسي".
"لا أخاف الموت"
"اعتدنا أن الموت مخيف، يعني العذاب والجحيم. أنا لا أخافه، وإذا حصل فهو لأن الله اختاره لنا لإنقاذنا من ألم كبير في الحياة".
وتضيف "صرت أعيش الحياة مستمتعة بتفاصيلها البسيطة دون قلق وتحسس من أشياء شغلت تفكيري سابقا من أوضاع أو تصرفات أصدقاء".
وعن زوجها تقول زينة إنه "فعل كل ما يمكن أن يفعله رجل أصيل يحبّني، عاش معي التجربة لحظة بلحظة، وحين سقط شعري حلق شعره"، مؤكدة على أهمية دعم العائلة وصديقاتها لها.
وتضيف "مررت بكل تلك اللحظات الصعبة والبائسة.. كتبت رسالة عتاب لله، ثم صرت أقرب إليه، ورددت في بداية المرحلة (لماذا أنا بالذات) لكنّي قررت أن خيار القوّة أفضل من أن أعيش في كارثة".