تظاهرات لشبان شيعة في بغداد ضد السعودية اثر اعدامها رجل الدين النمر/وكالة الصحافة الفرنسية
تظاهرات لشبان شيعة في بغداد ضد السعودية اثر اعدامها رجل الدين النمر/وكالة الصحافة الفرنسية

تقديس الرموز الدينية حين يصبح سيفاً قاطعاً

صنعاء- غمدان الدقيمي:

يدفع مفكرون وكتاب وسياسيون، وحتى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم الإسلامي ثمنا باهظا، يكلفهم حياتهم في أحيان كثيرة، عند انتقادهم للرموز الدينية التي تصل المغالاة في تقديسها حد التأليه.

اغتيال المفكر المصري فرج فودة في يونيو 1992، على أيدي متشددين اسلاميين، لا يزال حاضرا في الأذهان حتى اليوم، فقد جاء بعد اتهامه بالردة والكفر، على خلفية كتاباته المثيرة للجدل، التي كان من بينها كتابه “الحقيقة الغائبة” الذي كشف فيه وجها آخر غير معروف عن الخلافة الإسلامية ورموزها.

تلك لم تكن سوى واحدة من عمليات الاغتيال والتكفير والمحاكمة والإرهاب الفكري ضمن مسلسل طويل لا يزال مستمراً حتى اليوم تحت عنوان "قدسية الرموز الإسلامية".

الشابان اليمنيان أمجد عبدالرحمن (23 عاما)، وعمر باطويل (18 عاما)، قتلا أيضا بعمليتي اغتيال متفرقتين على أيدي متطرفين إسلاميين في مدينة عدن جنوبي اليمن قبل عامين.

كانت منشورات الشابين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، التي انتقدا فيها ثقافة تغييب العقل وتقديس “الكهنة”، في إشارة إلى  رجال الدين، مبررا كافيا لإقدام متشددين إسلاميين على عملية الاغتيال.

وكان العراق قد شهد قبل أيام سجالاً طويلاً حول ما نسب إلى هيئة رسمية "الإعلام والإتصالات" يسيطر عليها حزب الدعوة الإسلامية الذي حكم البلاد 2005-2018، من دعوة واجبة التنفيذ أرسلت للقنوات الفضائية العراقية بضرورة "عدم المس بالرموز الدينية والوطنية".

في الرياض، وجه القضاء السعودي مطلع الشهر الماضي 14 اتهاما إلى مواطن سعودي، من بينها انتقاد الصحابة، وولاة الأمر وهيئة كبار العلماء، وفقا لوسائل إعلام محلية.

وكذلك الحال في إيران، حيث أوقفت السلطات هناك قبل أيام صحافي بتهمة “الإساءة إلى الإمام الحسين وأئمة آخرين”.

وجاء توقيف الصحافي بويان خوشحال على خلفية نشره مقالا في صحيفة “ابتكار” الإصلاحية، تحدث فيه عن “وفاة” الإمام الحسين وليس “استشهاده”، ما أثار “استنكارا وسيلا من الانتقادات”، حسب وكالة “ميزان أونلاين” التابعة للسلطة القضائية الإيرانية.

وذكرت وسائل إعلام رسمية أن الصحافي خوشحال، سبق أن أساء مرارا إلى “أئمة آل البيت” على شبكات التواصل الاجتماعي.

وقبل ذلك أصدرت محكمة إيرانية في آب/أغسطس الماضي حكما بالسجن 10 سنوات على الصحافي الإيراني مير محمد حسين إسماعيلي بتهمة “الإساءة” إلى “الإمام الرضا” أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين عند المسلمين الشيعة.

وقبل عامين اتهم سلفيون مغاربة كاتبا بـ“الإساءة” إلى الإسلام، على خلفية مقالات تناول فيها “ما تعج به كتب الفقه والحديث، كصحيح البخاري وصحيح مسلم، من تناقضات”.

وقال الكاتب في جريدة “آخر ساعة”، عبدالكريم القمش انه تلّقى تهديدا بالقتل عبر الهاتف، حسب ما جاء في تصريحات نشرها موقع “سي ان ان”.

 

إلحاد

ويقول عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، صالح الفوزان، بأنه “لا يجوز انتقاد صحابة رسول الله عموماً والخلفاء الراشدين خصوصاً”، في تعليق على مقال نشرته صحيفة "الحياة" للكاتب جهاد الخازن انتقد فيه الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والصحابي خالد بن الوليد.

واستدل الفوزان بحديث الرسول محمد (ص) “لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنْفَقَ أَحَدَكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ”.

ونشر موقع “إسلام ويب”، وهو أحد مواقع الفتاوى العربية الأكثر زيارة على شبكة الإنترنت، عديد الفتاوى التي ترى في نقد الصحابة والشيوخ ورجال الدين تطاولا على أهل العلم الذين يتوجب تعظيمهم وتوقيرهم “لأن تعظيمهم من تعظيم شعائر الله”.

وأستشهد الموقع بآراء فقهاء يذهبون إلى القول بأن القدح في العلماء زندقة مكشوفة وسبب من أسباب الإلحاد.

 

الاصطفاء

ووفقا لباحثين ومفكرين عرب فإن المغالاة في تقديس الرموز الدينية، يأتي في صدارة الكوابح المصطنعة أمام التحول الديمقراطي في الدول العربية والإسلامية.

في خطاب متلفز نهاية آب/أغسطس الماضي، أكد زعيم جماعة الحوثيين في اليمن عبدالملك الحوثي، أن ولاية أمر المسلمين ليست خاضعة للانتخابات، قائلا إنه “لو تركت المسألة إلى الاختيار البشري لكانت خاطئة جدا”.

وضرب مثالا على ذلك بمجتمع مكة في صدر الإسلام، حيث أشار إلى أن “الأغلبية كانت إلى جانب أبو جهل وأبو سفيان ومكذبين بالرسول (محمد)”.

أضاف “لو قيل للناس انتخبوا، لاتجهوا إلى انتخاب أبو جهل أو أبو سفيان وكفروا برسول الله”، على حد تعبيره.

ويحظى الحوثي، مثل غيره من الزعامات الدينية الشيعية، بقدسيه كبيرة من قبل أنصاره الذين يعتقدون بأن ولاية أمر المسلمين حق إلهي حصري لأبناء علي بن أبي طالب من زوجته فاطمة بنت النبي محمد.    

وينحدر الحوثي من هذه السلالة التي تؤمن بفكرة الاصطفاء الالهي.

 

شرعنه للظلم

وحسب الدكتور أحمد سالم، وهو أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا المصرية، فإن ثقافة تقديس الرموز الدينية أو الأشخاص في التاريخ الإسلامي، بدأ عقب تشريع ما يسمى في أصول الفقه بـ“الاجماع”، أي إجماع الفقهاء المسلمين على حكم شرعي بواقعة بعد وفاة النبي محمد.

أضاف لموقع (ارفع صوتك) “من هنا وحتى اليوم اكتسبت أعمال وممارسات واجتهادات الصحابة والخلفاء الراشدين والفقهاء صبغة من القداسة والتشريع توازي ما جاء في القرآن والسنة”.

هذا الأمر شرعن لظلم الناس، والزامهم بآراء وفهم بشري على أنه تشريع ديني يضاهي أحكام القرآن الكريم، وهذه جريمة كبرى، على حد تعبير الدكتور أحمد سالم.

يضيف “المصيبة والكارثة، أن التيارات السلفية المعاصرة ما زالت تقدس اجتهادات الفقهاء الذين عاشوا في القرن السادس والسابع الميلاديين، وتسقطها على وضعنا الحاضر دون إدراك لتطور المجتمع، وهذا أثر سلبا على صورة الإسلام أمام العالم”.

من جانبه يرى الباحث اليمني عبد الهادي العزعزي، إن فشل القيادات العربية بإحداث تنمية حقيقية، موضحا في حديث إلى "إرفع صوتك" إن "الفشل في بناء الدولة والتشظي في الهويات الوطنية، ساهم في جعل زعامات دينية تهيمن على المشهد في العراق ولبنان واليمن ودول عربية أخرى".

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.