ماري كولفين، الصورة من مجلة "فانيتي فير"
ماري كولفين، الصورة من مجلة "فانيتي فير"

نساء بجلابيّات سوداء، وشقاء يكسو وجوه الرّجال، حمل معظمهم وغالبيّتهن صوراً شبه مهترئة، ينتظرون خروج أقربائهم المفقودين من تحت الأرض، عبر مخالب جرّافة، تحفر قرب الفلّوجة عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين، ثم انفجر الجميع بالنواح والعويل بعد ظهور أوّل هيكل عظمي بملابس ممزّقة، وماري بينهم، مع دفتر ملاحظات وقلم، تبكي بعين واحدة.

وينتهي هذا المشهد من فيلم "حرب خاصّة A private war"، بهياكل عظميّة تصطف بجانب بعضها على التربة، قرب الحشد الملتاع.

والعراق 2003، جزء من فيلم مدّته ساعة وخمسون دقيقة، يروي أبرز محطّات حياة الصحافية ماري كولفين (1956- 2012)، في تغطيتها للحروب بمنطقة الشرق الأوسط.  

​​

​​ولا أستطيع تعريف كولفين بـ"مراسلة حربية" لأنها رفضت ذلك في إحدى مقابلاتها.

مع زملائها الصحافيين، وشغفها في البحث عمّا قد يهمله البعض في لحظة حرب، تذهب إلى الخطر وتعرف ذلك، لكنها تبحث فيه عن قصة يجب أن تصل للجمهور الذي كان يقرأها في صحيفة "صانداي تايمز" البريطانية. 

محاور الفيلم

 استُلهمت قصته من مقال "حرب ماري كولفين الخاصّة" المنشور في موقع "Vanity Fair" عام 2012. 

يستعرض حياة كولفين وأدّت دورها الممثلة البريطانية روزاموند بايك، عبر خمسة حروب غطتها، وبين كل واحدة وأخرى معاناتها النفسية ومحاولاتها غير الناجحة للعيش بطريقة هادئة.

في سيريلانكا فقدت عينها اليُسرى عام 2001، وفي الفلّوجة العراقية عام 2003 كشفت عن المقابر الجماعية التي خلّفها النظام السابق، وفي أفغانستان غطّت مقتل المدنيين الأفغان، أمّا في ليبيا فكشفت عن ممارسات نظام معمّر القذافي مع المتظاهرات، حين أجرت مقابلة مع أتباعه وقال "أمرونا باغتصاب النساء، وبينما كنت أغتصب واحدة قالت لي (الله يراقبك) فأجبتها أن القذّافي هو الله"، حتى وصلت مهمّتها الأخيرة، سوريّة، تحديداً حمص.

وكانت تغطية كولفين في سورية محوريّة، فهي أول صحافية تعلن من قلب البلاد أن الجيش السوري لا يستهدف إرهابيين ومسلحين وفق تصريحاته المعتادة، بل يستهدف المدنيين في بيوتهم وملاجئهم أيضاً.

وبعد المكالمة المباشرة من حمص التي أجرتها كولفين عبر "سي إن إن" و"بي بي سي" التي شرحت فيها أوضاع نحو 22 ألف مدني سوري محاصر، ووصفت تصريحات نظام الأسد بأنها "كذبة"، حدث تغيير في تعامل البيت الأبيض مع الأزمة السورية، وفق عديد المراقبين.

​​

ملامح إنسانية

الفيلم لا يعرض كولفين كامرأة خارقة أو مستحيلة، لكنه يصوّر لنا ملامح شخصيتها الإنسانية وتفاعلها مع الأحداث وتنقلها من حرب لأخرى، تؤمن أحياناً بأن مقالاتها ستغيّر وأحياناً أخرى تفقد الأمل بسبب تكرار نفس المشاهد أمام عينيها لنحو عقدين من الزمن، حتى أنها غطّت في دول بعينها أكثر من مرّة، مثل العراق وليبيا.

في بوحها الشفيف  لزميلها المصوّر البريطاني بول كونري، الذي بدأ رحلته في التصوير معها عام 2003 في العراق حتى مقتلها بجانبه عام 2012 في سورية، تقول كولفين "أكره أن أكون في ساحة الحرب لكنّي أريد بقوة رؤية ما يحصل بنفسي، أتفادى الطعام كي لا أسمن، وحين أرى المجاعة أحب الطعام، أشعر أنني أتقدم في العُمر، وفي نفس الوقت سأموت شابّة".

وتضيف في حوار آخر "ربما لا أحب أن أعيش حياة عادية، أو لا أعرف كيف أعيشها،  ربما أجد راحتي هنا (تقصد ساحة الحرب)".

كما يتعرّض الفيلم للآثار التي تتركها الحروب على حياة كولفين، من خلال الكوابيس المستمرة، التي تستعيد فيها العنف والأسى اللذين شاهدتهما بنفسها.

من قَتلها؟

رفض الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع محطة أميركية تحميل طرفه المسؤولية عن مقتل كولفين، وقال إنها تتحمّل ذلك بسبب وجودها غير القانوني أساساً في سورية، ومشككاً في أن تكون القذيفة التي قتلتها من القوّات التابعة له. (انظر الخبر في الحرّة، 2016)

ومؤخراً (نيسان 2018) كشفت مذكرات عسكرية وشهادات فارّين من النظام السوري أن الصحافية كولفين كانت مُستَهدَفة ومن ضمنها أن ضابطا في المخابرات السوريّة قال عن مكولفين إنها "كلبة وقتلت الآن، فليساعدها الأمريكيون"، كما تلقّى المشاركون في الهجوم جوائز، بينهم عقيد حصل على ترقية، وزعيم مليشيا حصل على سيارة جديدة. (تقرير بي بي سي، 2018)

تفاعل مع الفيلم- تويتر

​​

​​

​​​

​​​

​​​

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.