صنعاء- غمدان الدقيمي:
تلجأ الجماعات الإسلامية المتطرفة دائما لاستنباط مصطلحات دينية من القرآن الكريم والروايات النبوية وكتب التراث الإسلامي لتسويغ جرائمها وممارساتها الإرهابية.
“الاستضعاف والتمكين”، إحدى هذه المصطلحات التي تستغلها الجماعات المتشددة في تكوين الخلايا النائمة وتجنيد المقاتلين الذين يتم ايهامهم بأنهم يمثلون الطليعة الأولى للمسلمين، قبل الانتقال إلى مرحلة السيطرة وبسط النفوذ بالقوة المسلحة.
يعرف “الاستضعاف” في أدبيات الجماعات المتطرفة بأنه الحالة التي تكون فيها الجماعة المسلمة ضعيفة غير قادرة على إظهار الإسلام وتطبيق “الشرع” بسبب عدو أو سلطان جائر.
أما “التمكين” في مفهوم السلفية الجهادية فهو يعني السيطرة المسلحة على بلد أو منطقة ما لإقامة “الدولة الإسلامية” وتطبيق شرع الله.
وخلال الأعوام الماضية، حققت جماعات متطرفة مبتغاها بالتمكين في مناطق محدودة في اليمن والعراق وسورية وافغانستان، لكنها لم تصمد كثيرا أمام التحالفات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب.
وغالبا ما يلجأ قادة تلك الجماعات لتبرير هذه الهزائم أمام انصارهم بالحديث عن الابتلاء، وتأخر النصر بسبب “الذنوب والمعاصي”.
والوعد بـ“التمكين” هو حقيقة إلهية ثابتة بنظر غالبية المسلمين استنادا إلى آيات قرآنية يعد الله تعالى عبادة الصالحين فيها باستخلافهم في الأرض.
بالغلبة والقوة
واستغل فقهاء ورجال دين وجماعات متطرفة هذه النصوص وغيرها للتأصيل الديني والسياسي لفكر الجهاد والعنف والتكفير.
“لا عبودية بغير تمكين، ولا مغفرة من غير فتح، ولا فتح بلا شهادة”، يقول عمر عثمان، المكنى بأبو قتادة الفلسطيني، وهو أحد أشهر المنظرين لأطروحات وخطابات السلفية الجهادية.
ويعتبر أبو قتادة الفلسطيني من أوائل الجهاديين الذين أصّلوا لاستراتيجية التمكين وإقامة الإمارة الإسلامية السلفية الجهادية والمراحل التي تسبقها في العصر الحديث.
“مؤسسات الردة الثلاثة”؟
في السياق يقول عمر عبدالحكيم، وهو من منظري الجماعات الجهادية “إن التمكين في الأرض ضرورة حتمية وفرض لازم لحماية العبادة (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة..)”.
ويزعم عبد الحكيم في كتابه الشهير "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، إن العقيدة الجهادية "ربطت المجاهد في سبيل الله بما وعدته من التمكين والعز في الدنيا له أو لمن يأتي من إخوانه وأهل ملته من بعده وعداً أكيداً لهم من الله".
ودعا عبد الحكيم، الذي شارك بالحرب في أفغانستان، الإسلاميين للابتعاد عن أبواب السلاطين وما أسماها "مؤسسات الردة الثلاثة" التنفيذية والتشريعية والقضائية "لأن دخولها حرام لا تقره الشريعة، ومعصية لله".
الإخوان المسلمون: سنغزو البحار والسماء
ويوضح حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين أن الوصول للحكم لا بد أن يكون بالتدرج والعمل المرحلي الذي ينتهي باستخدام القوة.
ويشرح ذلك بالقول إن "كل دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج".
ثم يطرح البنا السؤال التالي "متى تكون خطوتنا التنفيذية"؟ ويجيب على سؤاله قائلا "في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا وروحيا بالإيمان والعقيدة، وفكريا بالعلم والثقافة، وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء. وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة”.
ارتباط سياسي
ويرى عبدالقوي حسان، وهو باحث يمني في الحركات الإسلامية، أن “مفهوم الاستضعاف والتمكين ظهر عقب سقوط الخلافة العثمانية (1922)”.
أضاف لموقع (ارفع صوتك) “من هنا جاء الارتباط السياسي لهذا المفهوم”.
ويؤكد حسان أن “التمكين في الأرض بمفهومه الشامل هو أن المسلم يقيم دين الله (واجباته الدينية)، وهذا قائم في مختلف دول العالم، بالتالي ما تروجه هذه الجماعات غير منطقي”.
ويعتقد محمد الحزمي، وهو برلماني يمني وقيادي بارز في حزب الإصلاح، الذي نفت قيادته مرارا أي صله تنظيمية تربطه (حزب الإصلاح) بجماعة الإخوان المسلمين، بأن “الأمة في طريقها إلى التمكين”، على حد تعبيره لموقع (ارفع صوتك).
و “التمكين” حسب مفهومه هو أن “ينال المسلمون حريتهم وقرارهم وسيادتهم وأن تكون لهم في العالم كلمة”.
الحزمي لا يرى أي إشكالية في العمل السري أو الجهري كونه “عمل تقوم به كل الأيدولوجيات والأحزاب”، على حد قوله.
تأويل باطل
لكن محمد يسري، وهو باحث مصري في العقيدة والجماعات الإسلامية، يقول إن الإشكالية هي أن “كل جماعة من الجماعات الإسلامية المتطرفة ترى أنها تمثل الإسلام وحدها، وتعتبر أنها المخاطبة بكل نصوص الشرع، ومنها التمكين الذي يساعدها في الهيمنة على الأرض ثم الانطلاق إلى الخلافة العالمية، أو أستاذية العالم”.
ويتهم يسري، الجماعات الإسلامية، خاصة الجهادية والحركية منها، بتحريف مفهوم التمكين، الذي تحول من مدلوله العام الذي جاءت به نصوص القرآن والسنة، إلى حصره في وصول مجموعة من المسلمين للسلطة فقط، في تأويل باطل لكتاب الله.
وأشار إلى أن من نماذج تأويل مفهوم التمكين وتحريفه لدى الجماعات الإسلامية، ما ذكره حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، عندما شبه جماعته بأنهم يسيرون على نهج الصحابة وأنهم الموعودون بالتمكين في الأرض وإقامة خلافتهم المزعومة.