مصري يقف أمام ضريح الحسين في القاهرة، خلال أحد الاحتفالات بذكرى المولد النبوي.
مصري يقف أمام ضريح الحسين في القاهرة، خلال أحد الاحتفالات بذكرى المولد النبوي.

في كل مرة تحل فيها ذكرى المولد النبوي، يسترجع فقهاء المسلمين خلافا مستمرا منذ قرون حول مشروعية الاحتفاء الشعبي والرسمي بهذه المناسبة الدينية.

وبالرغم من اختلاف المؤرخين وكتاب السيرة بشأن تحديد تاريخ دقيق لمولد النبي محمد، فقد اعتاد معظم المسلمين على إحياء هذه الذكرى في 12 ربيع الأول من كل عام وفقا للتقويم القمري.

وتكاد تتفق معظم المصادر التاريخية على أن الفاطميين أول من احتفل بالمولد النبوي في المائة الرابعة، وبالضبط عام 362هـ، وذلك بعد دخول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله مصر ببضع شهور.

ولم يتوقف الجدل الفقهي بين علماء المسلمين منذ ذلك الحين بشأن الاحتفال بهذه المناسبة بين مؤيد ومعارض. 

وفي السنوات الأخيرة، صارت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حرب بين مؤيدي ومعارضي الاحتفال.

​​

​​

زنادقة ومنافقون أحدثوا المولد

أحدث الفتاوى المثيرة للجدل حول الاحتفال بهذه المناسبة أطلقها مطلع الأسبوع الجاري رئيس هيئة الإفتاء في جمعية العلماء المسلمين، الجزائري الشيخ بن حنفية العابدين.

وقال العابدين "الاحتفال بالمولد لم يفعله السلف الصالح، ولم يقل به مجتهد من المجتهدين، خلال الخمسمائة عام الأولى”.

وأضاف “إنما أحدث هذا الاحتفال كما ذهب إليه أهل العلم أناس اشتهروا بالزندقة والنفاق، فأظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر”، في إشارة إلى الفاطميين الإسماعيليين الشيعة.

وينسب الفاطميون أنفسهم إلى الإمام علي بن أبي طالب من زوجته فاطمة الزهراء بنت النبي محمد.​

 

​​ويستدل أصحاب هذا الرأي الرافض للاحتفال بذكرى المولد النبوي باجتهادات الكثير من الفقهاء الذين أفتوا بأنه “بدعة محدثة في الدين”.

ومن هؤلاء، الإمام الحنبلي تقي الدين بن تيمية (1263- 1328م) الذي اعتبر هذا الاحتفال “من البدع التي لم يستحسنها السلف ولم يفعلوها".

والفقيه المالكي تاج الدين اللخمي الذي قال إنه “بدعة أحدثها البطالون وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون”.​

​​

دفاع مستميت

يقابل هذا الرفض دفاع مستميت عن المولد النبوي، خصوصا في المذهب الشيعي ووسط الفرق الصوفية.

في مطلع العام 2015، هاجم علماء وفقهاء شيعة بينهم آية الله محمد باقر المهري محرمي الاحتفال بالمولد النبوي.

وقال باقر المهري إن الاحتفال بمولد الرسول “مستحب وسنة إسلامية حسنة”.

واعتبر أن من يقول بغير ذلك “جاهل بعيد عن الإسلام المحمدي”.

واعتبرت دار الإفتاء المصرية أيضا “الاحتفال بالمولد النبوي من أعظم القربات إلى الله تعالى”.

وعلى صفحتها على تويتر، كتبت الدار "هيا بنا نحتفل".​

 

وأكد الدكتور علي جمعة، مفتي مصر السابق بطلان الفتاوى التي تحرم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، قائلا إنها لا تستند إلى دليل شرعي.

 

بيئة للاستقطاب

يؤكد محمد يسري صقر، وهو باحث في الشؤون الإسلامية، إن منشأ الخلاف القائم حول هذه المناسبة بين السلفيين وغيرهم “ينطلق من أمرين. الأول: موعد الاحتفال، والثاني: طريقته”.

ويشير صقر إلى أن هذه البيئة “تستقطب أهل السياسة على مر التاريخ، ينتفعون بالفريق الأكثر تأثيرا ويظهرون الميل إلى رأيه”.

ويضيف لموقع (ارفع صوتك) “إذا كان مذهب الحاكم يميل إلى أحد الطرفين فإنه يفرضه فرضا على الشعوب وأحيانا يعاقب معارضيه وينكل بهم”.

سباق الفتاوى

قال “المؤشر العالمي للفتوى” التابع لدار الإفتاء المصرية أنه رصد 500 فتوى متنوعة، صادرة من جهات أو مؤسسات رسمية أو فتاوى منفردة، فوجد أن 65 في المئة من إجمالي الفتاوى على مستوى العالم تجيز الاحتفال في مقابل 35 في المئة تحرمه.

لكن نسبة القبول تنخفض في الكثير من دول الشرق الأوسط. ويقول المؤشر إنه رصد فتاوى الاحتفال بالمولد النبوي على الصعيد الإقليمي أيضا، في عدد من الدول مثل الجزائر وقطر وليبيا وفلسطين والإمارات ولبنان وتونس والأردن، فوجد أن ثلاث أرباعها  (75%) تقول بعدم الجواز.

وفسر المؤشر ارتفاع فتاوى التحريم "بسبب حالة الاضطرابات التي تتعرض له بعض دول المنطقة وسيطرة بعض التيارات المتشددة على المشهد فيها"، كما نقلت صحيفة اليوم السابع.

مظاهر متعددة

وتختلف مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة الدينية من بلد إلى آخر، ومن طائفة إسلامية إلى أخرى، كما لا يخلو الأمر في أحيان كثيرة من الاستغلال المذهبي والتوظيف السياسي.

خلال الأيام الماضية، غطت قطع قماش وأعلام خضراء معظم شوارع العاصمة اليمنية صنعاء ومدن عدة خاضعة لسلطة جماعة الحوثيين شمالي البلاد، في مظهر احتفالي غير مألوف بهذه المناسبة في البلد العربي الفقير الذي انهكته حرب أهلية مستمرة منذ أربع سنوات.

لكن مظاهر الاحتفاء بالمناسبة ذاتها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا جنوبي وشرق البلاد اقتصرت على الطقوس المعتادة التي تبدأ بعد صلاة العشاء بإلقاء خطب دينية وإقامة مجالس ذكر صوفيه تردد فيها الأناشيد والمدائح النبوية.

وفرض الحوثيون منذ اجتياحهم العاصمة صنعاء طقوسهم الاحتفالية الخاصة بمناسبات دينية يجدون فيها فرصة سانحة للاستقطاب السياسي والطائفي والتحشيد العسكري ضد التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ نهاية آذار/مارس 2015.

من احتفالات الحوثيين بالمولد النبوي في العاصمة اليمنية صنعاء قبل ثلاث سنوات.

​​أما في مصر، فإن مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي تتميز بطابع خاص وطقوس وتقاليد متوارثة منذ العصر الفاطمي، تشمل توزيع الحلويات و"عرائس المولد" وإقامة مجالس الذكر والإنشاد الصوفية.

عروس المولد حلوى يصنعها المصريون خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي

​​وفي بعض بلدان شمال أفريقيا، مثل تونس يتم إعداد وتبادل بعض الأطعمة كالعصيدة.

عازف في فرقة مغربية تقليدية خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي في مدينة سلا (غرب).

​​وفي بعض مناطق المغرب، يشعل المحتفون شموعا مختلفة الألوان، ويرقصون على أنغام فرق موسيقية تقليدية.

وتعد هذه المناسبة عطلة رسمية في معظم الدول الإسلامية.

 

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.