بعض أهالي ضحايا حلبجة يحملون صورهم في الذكرى السنوية/ا ف ب
بعض أهالي ضحايا حلبجة يحملون صورهم في الذكرى السنوية/ا ف ب

أمام الحشد الكبير من عائلات لوّعها الانتظار والأمل بعودة مفقوديها منذ ثلاثة عقود، يعلن الدكتور فرهاد برزنجي من مركز السليمانية للتشخيص الجيني، بعد ثلاثة شهور من بحث مريم عن عائلتها "أنت معروفة حتى الآن باسم مريم، لكن اسمك هاوناز". 

وقبل أن يختم حديثه تندفع عائلة هاوناز نحوها بالقُبَل والأحضان والدموع، والعائلات التي خاب أملها بأن تكون مريم ابنتهم المفقودة، تبكي أيضاً، حزناً لأنهم سيعودون للانتظار وفرحاً لأنها وجدت عائلتها الحقيقية.

هذا المشهد من فيلم وثائقي "ابنة حلبجة"، تتبعت فيه "بي بي سي" رحلة الشابة مريم من إيران إلى كردستان العراق، بحثاً عن عائلتها البيولوجية، إذ تبناها زوجان من بين أطفال وصلوا مستشفيات إيرانية إثر مجزرة حلبجة عام 1988.

وأنت تشاهد قصتها تفكر في هذا الحجم الكبير من المشاعر، والأمل، لدى كل عائلة تلتقيها مريم، وهناك عائلة من شابات تشعر حقاً أنهن أخواتها، تقول مريم بحماسة "ضحكاتهم عالية صوتهم أثناء الكلام عال" تبتسم "يشبهونني في ذلك"، وتقول إحدى النساء التي ظنت أن مريم أختها "هي تشبهنا، شكل جسمها، وعينيها" وتضحك. 

لكنهن يُصبن بخيبة أمل كبيرة، حين يثبت فحص الـDNA بأنها ليست أختهن، تقول إحداهن بعد عرض النتيجة "اليوم ماتت أختنا مجدداً".

كم عائلة يا ترى تشعر هكذا؟ كم طفلاً فرقته المجزرة عن أهله ولم يعد، أو بقي أفراد من العائلات مجهولي المصير، ونحن نتحدث عن 31 عاماً من الفراق والجراح غير الملتئمة. 

ولنا أن نتصوّر مشاعر وأحوال أهالي الضحايا والمفقودين في مقابر داعش الجماعية أو مجازر الكيماوي بين سوريا والعراق. 

مقبرة جماعية جديدة ضحايا أيزيديون غرب الموصل 

تعرّف على أكبر الهجمات بالكيماوي في سوريا

كمال جلال من الناجين أيضاً، يقول في حديثه لـ(ا ف ب) إنه كان في السابعة عشرة من عمره وقت وقوع المجزرة، وشاهد مقتل شقيقتيه، فيما فقد 75% من رئتيه، بحيث لم يعد قادراً على التنفس بشكل طبيعي، وعليه استخدام جهاز تنفس مدة 16 ساعة يومياً. 

ونشر موقع "مجتمع ضحايا حلبجة"، أربع قصص مختصرة لناجين من المجزرة، هم آراس عبد أكرم ، وصويبة محمد سعيد قادر، وماردين محمود فتاح، وكاشاو مراد محمد يوسف.

كان عُمر آراس وقت المجزرة 19 عاماً، وقبل حصول الهجمة كان يمارس عمله المعتاد في بيع المشروبات المستوردة من بغداد، ليجد نفسه بعد الهجوم بلا عائلته المكونة من والديه وثمانية أشقاء.

تم إرساله مثل أغلبية المصابين إلى إيران للعلاج، قضى هناك 6 شهور، وحين عاد تم نقله -مضطراً- إلى البقاء في مجمّع أقامه صدام حسين للناجين من المجزرة. 

لا يزال آراس يعاني من أمراض العيون والرئة.

أما صويبة، فكان عمرها آنذاك 35 عاماً، ومتزوجة لديها ثماني أبناء، وقت وقوع الهجوم كانت تتناول فطورها الذي تأخرت عن موعده، سمعت صوت القصف العنيف، لتهرع مع أبنائها وتلجأ لسرداب في بيت جيرانهم. 

تسللت الغازات الكيميائية إليهم، ونزفت صويبة الدم من أنفها وعينيها وفمها، لم تكن قادرة على التنفس، لم يستمر الأمر طويلا حتى فقدت الوعي، وحين استفاقت، كان المتبقي من أفراد عائلتها زوجها وثلاثة أطفال، البقية ماتوا. 

ماردين كان عمرها أربع سنوات، أصيبت بحروق مختلفة جرّاء الهجوم كما فقدت بصرها، وتلقت العلاج وقتها في طهران، وبعد ثلاثة شهور تبنّتها عائلة إيرانية، مكثت بينهم مدة 10 سنوات، فبعد موت والدها بالتبنّي كشفوا لها الحقيقة، لتعود وتبحث عن عائلتها في العراق.

وهناك عرفت بأن أمها وأخاها قتلا في المجزرة، وكان أبوها على قيد الحياة متزوجاً وأصبح لديه عائلة جديدة، ورفض ضمّها لعائلته.

 عانت ماردين بسبب فرق التعليم بين إيران وكردستان، وكان عليها أن تبدأ دراسة الثانوية مجدداً، وتابعت دراستها الجامعية لكن بصعوبة لأنها ما زالت تعاني آثار ما بعد الصدمة.

القصة الرابعة، وهي من بين آلاف قصص منها ما روي ومنها لم يُرو بعد، هي لكاشاو. 

كان عمر غاشو آنذاك 12 عاماً، وحين وقع الهجوم اختبأت في سرداب طيلة اليوم، وفي الليل أرسلها أبوها مع إخوتها الأربعة بعيداً.

تتذكّر كاشاو نفسها تبكي وتسأل والدها "لماذا نذهب دونك"، فيجيبها "سأتبعكم لاحقاً"، فوصلت إيران مع إخوتها بعد يوم ونصف، وهناك انتظروا والديهم، اللذين لم يلحقا بهم أبداً. 

وصل عمهم طهران، وقال لهم إن والديهم مع خالتهم بانتظار مولودها الجديد، إلا أن أربعتهم قتلوا في الهجوم.

عادت كاشاو مع أختها إلى العراق عام 1991، لتنتقل إلى العيش في مخيم مع جدهم، فبيتهم أضحى حطاماً. 

عملت بلا كلل أو ملل لتؤمن ما يكفي، ليس لإعادة إعمار بيتهم فحسب، إنما لأجل حياتهم. واستطاعت توفير المال اللازم لتعليم إخوتها في الجامعة، وهي درست أيضاً علم الحاسوب.

مواضيع ذات صلة:

أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني
أفراد من الطب الشرعي ينقلون رفات ضحايا المقبرة الجماعية ملعب الرشيد/مجلة الرقة المدني

محمد النجار

أكثر من 300 جثة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات في مدينة الرقة السورية تم إخراجها من مقبرة الفخيخة منذ بداية العام الحالي، وذلك بحسب ما ذكره فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقة، وتحدث قائد فريق الاستجابة في الرقّة ياسر الخميس في حديثه لوكالة "هاوار" التابعة لمناطق الإدارة الذاتية قائلاً إن معظم الجثث التي تم إخراجها منذ كانون الثاني الماضي/يناير لغاية آخر شهر آذار تعود لأطفال ونساء تم قتلهم على يد تنظيم داعش الإرهابي وضمن عمليات إعدام ميدانية.

المقبرة التي عثر عليها في التاسع من كانون الثاني/يناير الماضي، بدأ العمل عليها مباشرة بعد طلبات من الأهالي في المنطقة، وتقع منطقة الفخيخة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وهي أرض زراعية تصل مساحتها إلى 20 دونماً، ولا يزال فريق الاستجابة الأولية في مدينة الرقّة يتابع عملياته لانتشال الجثث المتبقية فيها.

وعثرت قوات سوريا الديمقراطية على المقبرة التي وصفت بأنها أكبر مقبرة جماعية تضم رفات من قام داعش بقتلهم خلال سيطرته على المدينة آنذاك، كما توقع "فريق الاستجابة" وجود أكثر من 1200 جثة في هذه المقبرة، والتي كانت أرضاً زراعية لأهالي المدينة قبل تحويلها لمقبرة من قبل عناصر التنظيم.

 

 

في الحدائق والملاعب

تسيطر قوات سوريا الديمقراطية حاليا على الرقّة بعد طرد داعش منها خريف 2017. وتشترك لجان تابعة لها مع الطب الشرعي في عمليات الكشف عن مقابر جماعية.

مجلس الرقّة المدني أعلن في عدة مناسبات عن الكشف عن عدد من المقابر الجماعية داخل المدينة وفي ريفها، وكانت أغلب هذه المقابر في الحدائق الشعبية وملاعب كرة القدم والساحات العامة، وبعد اكتشاف المجلس لوجود هذا الكم الهائل من المقابر، أخذ فريق الاستجابة الأولية على عاتقه مهمة البحث عن هذه المقابر، وانتشال الجثث والتعرف عليها.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن عدد القتلى من المدنيين خلال معارك تحرير الرقة وصل إلى أكثر من 2323 مدنياً، بينهم 543 طفلاً، ومعظمهم تم دفنهم في مقابر جماعية أثناء المعارك.

يقول طارق الأحمد وهو مسؤول في لجنة إعادة الإعمال في المجلس المحلي للرقة، إن "معظم الإعدامات الميدانية جرت قبل فترة قصيرة من بدء حملة "غضب الفرات" التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية، لاستعادة الرقة".

وحسب أحمد، نقل داعش جزءا من معتقليه خارج العراق، وقام بتصفية آخرين ودفنهم في مقابر جماعية. وامتدت هذه المقابر إلى الحدائق العامة، مثل حديقة الجامع القديم وحديقة الرشيد المعروفة وسط الرقة.

وخصص التنظيم المتطرف مقبرة لمقاتليه أطلق عليها اسم مقبرة "شهداء الدولة" بمعزل عن باقي مقابر المدينة.

 

 

مقابر أخرى

في الأشهر الماضية كانت أبرز المقابر التي تم الكشف عنها في الرقّة مقبرة البانوراما، وتجاوز عدد الجثث فيها 150 جثة. وكذلك مقبرة الجامع العتيق التي تم الانتهاء من عمليات البحث فيها في أيلول سبتمبر 2018، ومقبرة حديقة الأطفال ومقبرة حدقة بناء الجميلي، ومقبرة معمل القرميد.

مقبرة الرشيد أيضاً من أوائل المقابر التي عثرت عليها قوات سوريا الديمقراطية وتم اكتشافها في ملعب الرشيد، وضمت رفات 300 قتيل أعدموا بشكل جماعي على يد تنظيم داعش خلال سيطرته على الرقة بين 2014 و2017.

وفي الفترة التي أحكم فيها التنظيم قبضته على المدينة وريفها، تحولت الملاعب والحدائق والميادين إلى مقابر تحتضن رفات المئات ممن تم إعدامهم.

في شباط/فبراير 2018، قالت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري إن قوات النظام عثرت على مقبرة جماعية غربي مدينة الرقة قرب بلدة رمثان، ونقلت الجثث إلى المشفى العسكري في حلب.

وقالت الوكالة أيضا إن القوات السورية عثرت، في أواخر كانون الأول/ديسمبر، على رفات 115 عسكريا ومدنيا في مقبرة قرب بلدة الواوي في ريف الرقة الغربي، كان داعش أعدمهم.

وبدورها، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، خلال عمليات تحرير المدينة، إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث قرب مدينة الطبقة بريف الرقة الشمالي.

ومنذ 2014، تحدثت وسائل الإعلام عن رمي عناصر داعش جثث القتلى في حفرة الهوتة بريف الرقّة الشمالي قرب بلدة سلوك. وباتت هذه الحفرة رمزا للمجازر التي ارتكبها التنظيم، وكان بين من قام برميهم "معتقلين على قيد الحياة"، يقول عبد الله (طالب جامعي) من مدينة الرّقة لموقع (ارفع صوتك).

 

 

آلاف الحالات من الاختفاء القسري

في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في 28 آذار/ الماضي، تم توثيق 4247 حالة اختفاء قسري في الرقّة منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وقالت الشبكة في تقريرها إن بين المختفيين 219 طفلاً و81 امرأة.

وتوزعت حصيلة المختفيين بين النظام السوري بمسؤوليته عن اختفاء 1712 شخصاً وتنظيم داعش 2125 شخصاً، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المسؤولة عن اختفاء 288 شخصًا وفصائل معارضة أخرى عن اختفاء 122 شخصًا.

ووثقت الشبكة، في تقريرها، مقتل 4823 مدنيًا في الرقة خلال السنوات الماضية على يد أطراف النزاع، بينهم 922 طفلًا و679 امرأة.

وبحسب تقرير الشبكة فإن 97% من جثث المقابر في المدينة تعود لمدنيين، في حين تشكل جثث مقاتلي تنظيم داعش نسبة 3%.