أيقظ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 "قوات الفجر"، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، من سباتها، وعادت إلى العمل العسكري انطلاقاً من جنوب لبنان.
هذه القوات التي نشأت في العام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تجمّد نشاطها العسكري بعدما احتكر "حزب الله" إلى حدّ كبير العمل العسكري ضد إسرائيل في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، وسيطرته الأمنية الواسعة على الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
مع اندلاع الحرب في غزة، شاركت "قوات الفجر" في عمليات عسكرية ضد إسرائيل، وسقط لها قتلى في المواجهات، قامت بتشييع بعضهم في بيروت في ظهور مسلّح، أثار حفيظة نواب من العاصمة، اعترضوا على المظاهر المسلّحة.
لا يرى الكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير أن الظهور المسلح للجماعة الإسلامية أمر جديد، ولا يعتبر ما حصل "مظاهر غريبة أو استفزازية". وبرأيه فإن "الجماعة الإسلامية، منذ بدء معركة طوفان الاقصى، أعلنت مشاركتها في المعركة وقد سقط لها عناصر سواء عند اغتيال الحاج صالح العاروري او مؤخراً في المواجهات على الحدود".
على الصعيد الفكري، كما يشرح قصير لـ"ارفع صوتك"، تشكّل الجماعة الإسلامية "امتداداً لتيار الإخوان المسلمين لكن لكل تنظيم إسلامي رؤيته المحلية. وهناك نقاط مشتركة ومنها قضية فلسطين".
ولا تخفي الجماعة انتماءها إلى تيار الإخوان المسلمين، بل جاهر نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة بسام حمود بأنها "وحركة حماس وجهان لعملة واحدة". وهذا مردّه، بحسب قصير، إلى "تاريخية العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحماس وهناك تنسيق وتعاون بين الطرفين، وأفراد حماس في لبنان خرجوا من رحم الجماعة قبل انفصالهم عنها".
ومع أن الحضور السياسي للجماعة الاسلامية، كتنظيم عقائدي سنّي، شهد تراجعاً في المشهد اللبناني الداخلي في السنوات الأخيرة، إلا أن قصير يرى أن الجماعة "من أهم وأعرق التنظيمات الإسلامية في لبنان ولديها حضور شعبي في العديد من المناطق اللبنانية".
وعرف لبنان مثل كثير من الدول العربية حضور حركة الإخوان المسلمين في بنيته السياسية والاجتماعية منذ العام 1964، كما جاء في كتاب "التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية" للباحث حيدر ابراهيم علي.
ولكن هذه الحركة، كما يقول الباحث، كانت متواضعة على الرغم من اعتماد التنظيم ككل على مطابع ودور نشر لبنان في نشر كتب منظّري الإخوان مثل حسن البنا وسيد قطب وغيرهما.
ويشير علي إلى أن فكر الاخوان المسلمين حضر في حركتين سنيتين هما الجماعة الإسلامية وحزب التحرير (بقي تأثيره محدوداً وكذلك شعبيته). ويلاحظ أن هاتين الحركتين "لم تحملا السلاح في المعارك الداخلية اللبنانية لقناعة ثابتة بعدم جدوى هذا العمل المسلح لأن رؤيتهما النظرية للصراع تعتبر هذا القتال خارج الدعوة الشرعية المسموح بها للقتال، وهي القتال لإقامة حكم إسلامي، أو إعلان الخلافة".
لكن ذلك لم يمنع من ظهور مجموعات صغيرة عديدة ضمت مقاتلين مثل "جند الله" و"شباب محمد" و"قوات الفجر" التابعة للجماعة الإسلامية، وهذه الأخيرة كان هدف تأسيسها قتال إسرائيل بعد اجتياح بيروت في العام 1982.
وترى مصادر مقربة من الجماعة، في تصريحات صحافية، ارتباطاً تاريخياً بينها وبين "حزب الله" اللبناني، خصوصاً أن "أحد معسكراتها كانت مركزا لتدريب شباب من حزب الله، لا سيما أن "المقاومة الإسلامية" التي انطلقت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، في يونيو 1982، كانت بجناحين، الأول لـ "قوات الفجر" الجناح العسكري للجماعة الإسلامية، والثاني كان لشباب من جنوب لبنان مهدوا لإطلاق حزب الله رسميا سنة 1983".
يطرح هذا تساؤلات عن استقلالية قرار الجماعة الاسلامية في ما يخص العمل العسكري. لكن قصير يرى أن "حزب الله لا يسيطر على قرار الجماعة، وأن لديها مؤسسات قيادية تأخذ القرارات والمشاركة في العمل العسكري جرت مناقشتها داخل مؤسسات الجماعة وتم التوافق عليها داخلياً". وهو يعتقد أن "قوات الفجر لها هيكلية مستقلة وهي تتعاون مع حزب الله، لكنها ليست تابعة له".
وشهدت العلاقة بين "حزب الله" والجماعة الإسلامية مداً وجزراً، طوال السنوات السابقة. وتوتّرت بعد العام 2011 مع اندلاع الأحداث السورية ومشاركة "حزب الله" في القتال إلى جانب النظام السوري ضد المعارضة السورية.
لكن هذه العلاقة "توثقت خلال المرحلة الاخيرة"، كما يؤكد قصير، و"يتم عقد لقاءات ثنائية ومشتركة لدراسة التطورات والاتفاق على رؤية مشتركة للتعاون في المرحلة المقبلة".
وبحسب قصير "تشكل المقاومة ودعم الشعب الفلسطيني احدى اهم نقاط التوافق بينهما وتم تجاوز مرحلة الخلافات".