قبل أيام، زار رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية طهران للمرة الثانية منذ السابع من أكتوبر 2023.
هنية، المقيم في قطر، يشكّل أحد أبرز الوجوه السياسية لـ"حماس". وزيارته إلى إيران تعيد إلى الواجهة تاريخ العلاقات بين الطرفين.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي حركة فلسطينية إسلامية الأيديولوجيا، ونابعة من فكر تنظيم الإخوان المسلمين.
تأسست الحركة عام 1987 بدعوة من الهيئة العامة لحركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وكان الشيخ الفلسطيني أحمد ياسين أحد أعضائها، قبل أن يصير الشخصية القيادية الأساسية في تاريخ حركة حماس.
بحسب كتاب "حقائق في تاريخ فلسطين السياسي" لعماد أحمد العالم، تعتبر "حماس" نفسها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر في العام 1928.
وقبل الإعلان الفعلي عن حماس في العام 1987، كانت الحركة تعمل في الأراضي الفلسطينية تحت اسم "المرابطون على أرض الإسراء"، واسم "حركة الكفاح الإسلامي".
في كتابه "حركة حماس وممارساتها السياسية والديمقراطية"، يشير الباحث عقل محمد أحمد صلاح، إلى التأثر الواضح لحركة حماس بشكل مباشر وغير مباشر بالثورة الإيرانية وبحزب الله في لبنان.
ويستشهد الباحث بتقرير إسرائيلي يبيّن أن "إيران وحزب الله هما أقوى حليفين لحماس، فقد تم تدريب عناصر كتائب عز الدين القسام في سوريا على يد خبراء إيرانيين وخبراء من حزب الله، ما أكسب الكتائب خبرة كبيرة في استخدام السلاح وخطف الجنود وتصنيع الصواريخ في مصانع محلية في غزة".
من جهته، يتحدث الباحث عبد الحكيم عزيز حنيني، في كتابه "منهجية حركة حماس في العلاقات الخارجية"، عن البدايات الأولى للعلاقات المنعقدة بين حركة حماس وطهران.
يذكر حنيني أنه في سنة 1990 بدأت العلاقات بين حماس وإيران بشكل رسمي، عندما سافر وفد من حماس برئاسة إبراهيم غوشة -الذي سيتولى لاحقا منصب الناطق الرسمي للحركة- إلى طهران.
بعد سنة واحدة، سافر غوشة مرة أخرى إلى طهران. وشارك في المؤتمر الثاني لدعم "الانتفاضة الفلسطينية"، والتقى بكل من الرئيس الإيراني حينها علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ووزير الخارجية علي أكبر ولايتي.
في هذا اللقاء، طلب غوشة من الإيرانيين قبول عماد العلمي -وهو أحد قيادات الحركة- ليصبح الممثل الرسمي لحماس في إيران.
وفي سنة 1992، تم افتتاح مكتب حماس في طهران. وتعامل الإيرانيون مع المكتب مثل تعاملهم مع سفارات باقي الدول.
خامنئي "مترجماً" فكر سيد قطب
العلاقة بين إيران الخمينية وحركة الإخوان المسلمين أبعد من التحالف السياسي والعسكري، بل تحمل مشتركات فكرية، تعود إلى ما قبل انتصار "الثورة الإسلامية" في إيران، ووصول الخميني إلى الحكم.
في العام 1966 ترجم علي خامنئي، الذي سيصبح لاحقاً مرشداً أعلى للجمهورية في إيران، كتاب "المستقبل لهذا الدين" الذي ألفّه سيد قطب، أحد أبرز منظّري جماعة الإخوان المسلمين.
في مقدمة الكتاب، الذي صاغها خامنئي، أثنى على سيد قطب ووصفه بـ"المفكر المجاهد"، وأن كتبه ستشكل خطوة على طريق توضيح معالم الرسالة الإسلامية.
وبحسب الباحث والمفكر العراقي رحيم أبو رغيف، فإن خامنئي لا يزال حتى اليوم "يهتم بإدامة زخم وجود الإخوان".
ويتابع أبو رغيف في مقابلة سابقة مع "ارفع صوتك" أن كتب سيد قطب "لا تزال تطبع حتى اليوم على نفقة المكتب الخاص للسيد خامنئي".
أثناء زيارته إلى طهران في العام 1998، إحدى أهم المحطات في جولة كبرى شملت مجموعة من الدول العربية والإسلامية، سنحت لمؤسس الحركة أحمد ياسين فرصة التعرف على خامنئي.
وقال في تصريحات حينها أنه لم يكن ليأتي إلى إيران "لولا أنني أعلم هذه الجمهورية الإسلامية وموقفها المساند والداعم لقضيتنا".
في تلك السنة، قتلت حركة طالبان عشرة ديبلوماسيين إيرانيين وصحافيا، إثر مهاجمتها القنصلية الإيرانية في مزار شريف في أفغانستان.
حينها، كما يروي زكي شهاب، في كتابه "حماس من الداخل"، وكنوع من الدلالة على قرب حماس من إيران، بعث أحمد ياسين رسالة إلى الرئيس الإيراني مقدماً تعازيه، ووصف طالبان بأنها تقدم فهماً "خاطئاً تماماً ومضللاً" للإسلام.
وتابع قائلا: "كيف يجرؤون على منع النساء من المشاركة في حياتنا، بمعنعهن من العمل أو التعليم؟ لا يمكن لأساليبهم إلا أن تضرّ بالدين الإسلامي"، ونفى أي تقاطع أو صلة بين حركة حماس ونظام طالبان.
وينقل شهاب تشديد ياسين على أنه ليس هناك مصلحة لدى حماس في التخلي عن معركتها مع إسرائيل من أجل القتال في الخارج، والتورط في النزاعات العربية أو الإسلامية أو حتى الدولية.
برود العلاقات بفعل "الربيع العربي"
شهدت العلاقات بين حماس وإيران فترة برود وصلت إلى حد القطيعة، بعد التغيرات التي أحدثها "الربيع العربي" على المستوى الإقليمي، المتمثلة في فوز الإخوان المسلمين في تونس، ووصول جماعة الاخوان المسلمين في مصر إلى الحكم.
يرى الباحث عقل محمد أحمد صلاح أن حماس اعتبرت هذه التغيرات انتصارا لها ودعما لموقفها.
وعليه، يتابع الباحث، "غيرت من موقفها تجاه مثلث الممانعة، فخرجت من سوريا التي احتضنتها ودعمتها ودربت جناحها العسكري ولحقت بقطار قطر وأموالهم، لتنضم إلى تحالف الإخوان المتمثل بمثلث مصر وتركيا وقطر، بضغط من جماعة الإخوان العالمية وقيادة حماس في الخارج، وهو ما أظهر الحركة غير وفية، وغير حافظة لجميل من احتضنها ودعمها، إضافة إلى دعمها المعارضة السورية ضد النظام، ما شكّل إحراجاً لحماس، ليس على المستوى الخارجي فقط، بل على المستوى الداخلي أيضاً، وبخاصة قيادة غزة المقربة من إيران".
يلاحظ الباحث أن حماس خسرت في تلك الفترة الدعم السياسي والمالي والعسكري الإيراني وقطعت كل من سوريا وحزب الله علاقتهما بالحركة، فـ"أصبحت أمام منزلق خطير، لا يمكنها العودة إلى حلف الممانعة في ظل فقدان الثقة بها، ولا يمكنها الخروج من قطر".
في تلك الفترة أيضاً، رفضت إيران استقبال خالد مشعل، على الرغم من زيارة وفد قيادي من حماس لإيران في ديسمبر 2014، بعد الشكر الذي قدمه الناطق الإعلامي باسم الجناح العسكري للحركة إلى إيران في ذكرى انطلاقة حماس السابعة والعشرين، في محاولة من الحركة لترطيب الأجواء من أجل المصالحة وإعادة العلاقة ما بين الطرفين.
عكس هذا، بحسب صلاح، تبايناً بين الجناح السياسي للحركة الذي ينشط خارج قطاع غزة وتحديداً في قطر وتركيا، وبين جناحها العسكري الذي بقي على "وفائه" لإيران، وظهر ذلك من خلال تصريحات القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف، الذي قال في أحد تصريحاته في تلك الفترة أن "بندقية المقاومة يجب أن تكون واحدة وهدفها واحد، وأن توجه نحو العدو الإسرائيلي، ويكفي للأمة استنزافاً لطاقاتها وتبديداً لإرادتها".
يرى الباحث في كتابه أن مسيرة حركة حماس أظهرت براغماتية سياسية واضحة، وقدرة على تطويع المبادئ لصالح ما تراه مفيداً لها في لحظة معينة. ومن مظاهر ذلك أن حماس بعد بدء الأعمال العسكرية ضد الحوثيين في اليمن باسم "عاصفة الحزم" من خلال تحالف عسكري بقيادة السعودية في 26 مارس 2015، أصدرت بياناً في 28 مارس أيدت فيه التحالف العربي ضد الحوثيين وأكدت وقوفها مع الشرعية السياسية، وذلك من أجل مواكبة التغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة العربية.