بقلم محمد الدليمي:

الكتابة عن الفساد في دولة الكويت الثرية بمواردها وموقعها الجغرافي المتميز أمرٌ متشعب ومعقد. فالتشنج السياسي في البلد، واتهام الخصوم بالفساد وحساسية المرحلة وما تمر به المنطقة من ظروف عصيبة، كلها عوامل تصب في تعقيد مشكلة الفساد الذي "استشرى في الدولة ومؤسساتها".

ففي تقريرها لعام 2014، وضعت الشفافية الدولية الكويت في المرتبة الأولى خليجياً، وفي المركز 14 عربياً و67 عالميا. وهو ما تعترض عليه جهات في الحكومة الكويتية وسط اتهامات بتغلغل السياسة في شؤون المكتب المحلي للمنظمة، مما تسبب بإغلاقه.

لكن هذا كله لا يعني أن الفساد في هذه الدولة الخليجية لا يصل لحدود مقلقة، كان لها آثار على السياسة الداخلية. فظاهرة "الواسطات" و "الرشاوى" تنتشران سريعاً في المؤسسات المختلفة، فضلاً عن قضايا فساد كبيرة تتهم فيها شخصيات سياسية وحكومية.

ومن قضايا الفساد التي أخذت حيزا كبيرا في الاعلام وشغلت الرأي العام الكويتي قضية طوارئ الكهرباء عام 2007، وقضية الحوالات (التي اتهم فيها نواب باستلام مبالغ كبيرة في حساباتهم) وما تلاها من استقالة للحكومة وحل مجلس الأمة بأمر أميري عام 2011.

ولا توجد بيانات دقيقة عن حجم هذا الفساد، إلا أن شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، والتي تصدر تقارير أسبوعية عن الحالة الاقتصادية في الكويت قدرت حجم الفساد السنوي بـ(698) مليون دينار كويتي (أكثر من 2 مليار دولار أميركي) خلال عام 2013 وحده.

أول وزير يواجه حكماً بالحبس

في أواخر شهر أيلول/سبتمبر الماضي شهدت الكويت حدثاً هو الأول من نوعه، بعد إصدار حكم بالحبس لعامين وغرامة مالية ضد وزير الكهرباء والماء والأشغال العامة، أحمد الجسار، في قضية طوارئ 2007.

وقضية طوارئ 2007 تتضمن اتهامات بإهدار المال العام، وتهما أخرى مختلفة لمسؤولين وموظفين آخرين كانوا أعضاء في لجنة وزارية وافقت على صفقة لزيادة انتاج الكهرباء. من بين المحكومين أربعة مسؤولين كبار وأحد عشر موظفاً سابقاً.

قدم الوزير استقالته من الحكومة وأوقف تنفيذ الحكم لحين الاستئناف.

الخطوات الحكومية لمواجهة هذه القضايا في البلاد تضمنت إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت عام 2012. لكن هذه الهيئة لم يصدر لها لائحة تنفيذية، مما جعلها معطلة ومقيدة عن العمل حتى صدورها في شهر آذار/مارس 2015.

وامتدحت الهيئة يوم الأحد، 11 تشرين الثاني/أكتوبر، تقديم رئيس وزراء الكويت لكشف ذمته المالية، باعتباره حدثاً هو الآخر الأول من نوعه في الكويت.

 رشاوى في كل مكان

يقول جاسم السعدون، رئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية، إن البلد "غارقة في الفساد".

ويضيف السعدون في حديث لجريدة القبس الكويتية  "نحن غارقون في الفساد، فعند إنجاز معاملة لا بد من دفع رشوة، ومن الممكن أن تحصل على أي مشروع من خلال دفع رشوة، لذلك تجد المشروعات رديئة، معطلة، بطيئة وغير منجزة، بسبب الفساد".

ويقول السعدون إن أحد أسباب الفساد الرئيسة هو البيروقراطية في الدوائر المختلفة، والتي تتسبب بطول فترة المراجعة وتوقف المشاريع فيقوم الأفراد والشركات وغيرهم بدفع الرشوة لتعجيل الاجراءات.

ويطالب السعدون باستقالة الحكومة، ويقول إن انتشار الفساد لا يمكن السكوت عنه.

" الفساد ينخر في جسد الدولة، والفساد محمي، هناك مقاومة شديدة لمواجهته، وإلا كيف يمكن أن يفسر عدم قيام الحكومة بتكليف شركة مستقلة للبحث في انتفاخ حسابات النواب؟".

كلما نتأخر... كان الثمن أكبر

يقول الحجاج بوخضور، الخبير الاقتصادي الكويتي، في اتصال هاتفي مع موقع (إرفع صوتك)، إن بيانات الشفافية الدولية مبالغ فيها، ولكن "هذا لا يعني أن مشكلة الفساد في الكويت صغيرة".

ويضيف إن مشكلة الفساد في الكويت هي "سوء الادارة"، مشيراً إلى وجود "أداء متدني" في هذا المجال، محلياً وعربياً وعدم القدرة على التعامل مع البيانات المتوفرة وتوظيفها بما يخدم المصلحة العامة.

"الإشكالية في الكويت اليوم"، يضيف بوخضور، "هي أن هناك إفراط في الشفافية، ووجود المعلومة بيد من لا يجيد توظيفها. وكل هذا أدى لعدم وجود منهجية وموضوعية في مناقشة وسائل مكافحة الفساد".

ويمضي بوخضور ليقول إن مشكلة الفساد في الكويت "يجب حلها عن طريق حلول جذرية حديثة، لا حلول سطحية وتقليدية". ويوضح أن هذه الحلول تأتي "باعتماد أسلوب الدولة الحديثة على مستوى الادارة وشكل المؤسسات والأنظمة الفكرية، ونحتاج إلى إعادة هيكلة الكثير من المؤسسات، وإلى عمل متوازٍ فيها يضمن سرعة الإصلاح وقلة كلفته".

ويحذر بوخضور من أن مؤشر تنامي الفساد خطير وإن مواجهته ضرورة حتمية. "وكلما نتأخر في علاج الفساد كلما كان الثمن أكبر".

رئيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت عبد الرحمن النمش قال في بيان على موقع الهيئة إن هاجسه الأكبر هو "تحدي قوى الفساد، التي استشرت في مفاصل الدولة وأتت على خيراتها وعطلت تنميتها وحالت دون الاستغلال الأمثل والعادل لثرواتها."

فهل تنجح دولة الكويت في تحدي آفة الفساد وتجنب ما تجلبه للبلاد من مصائب؟

*الصورة: الكتابة عن الفساد في دولة الكويت الثرية بمواردها وموقعها الجغرافي المتميز أمرٌ متشعب ومعقد/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659