بقلم علي عبد الأمير:
اختار رسام الكاريكاتير العراقي المعروف، الفنان خضير الحميري، العنوان أعلاه كي يكون تعبيراً مناسبا لعدد من رسوماته التي عنت بالتعبير "المضحك المبكي" عن الفساد وحالاته وتأثيراته على مجالات الحياة الأمنية والاقتصادية والسياسية في بلاده، التي سجل فيها الفساد مستويات عالية جعلتها تحتل لسنوات المراتب الأولى بين الدول الأكثر فسادا في العالم.
ويرى الحميري، الذي بدأت تجربته في هذا الفن الناقد والصعب منذ ثمانينات القرن الماضي، أنه "يمكن لأي مواطن عراقي لوّعته عثرات الحياة، وعجنت فراسته منعطفات المحن أن يرسم لك صورة متكاملة للفساد الذي ينخر البلاد، لتجد نفسك أمام لوحة شبيهة بالصور التي يرسمها فنانو الشرطة الجنائية لملامح الجاني إعتمادا على إفادات الشهود".
ويضيف الحميري "الفساد بكامل هيلمانه وعلاماته الفارقة يتقدم المشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي والثقافي، متلفعا بجلباب المصلحة الوطنية، وبناء المؤسسات، وسيادة القانون. وحين يتناوله رسام الكاريكاتير فهو يتناول ظاهرة عامة وجشع متأصل في بنية العملية السياسية التي يمثل الفساد إحدى مخرجاتها الشاخصة".
الفساد هو من يسخر منا!
ويوضح الحميري في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) كيفية رصده الفساد في العشرات من رسومه الكاريكاتيرية، أنه على الرغم من أن فن الكاريكاتير يقوم على السخرية والمبالغة، "وجدتُ أن رسومي مهما بالغت في نحتها تظلُ أدنى من الفعل التخريبي الذي أحدثه ويحدثه الفساد في حياتنا. وكأن الفساد وهو يبالغ في نهش خيرات البلد كان يمد لنا لسانه ويسخر من إيماننا العبثي بسلطة الرأي العام وقدرته على التحريض والمحاسبة، وإعادة الثروات الى أهلها".
من الديكتاتورية إلى الديمقراطية.. الرقابة تتمدد
وعلى الرغم من معاناة فناني الكاريكاتير في العراق ولعقود طويلة من سلطة النظام السابق ورقابته، إلا أن الأمر تواصل حتى مع حرية التعبير الكبيرة التي عرفتها وسائل الاعلام والنشر بعد العام 2003، بحسب الحميري.
ويضيف الحميري "من خلال تجربتي المتواضعة في العمل الصحفي والنشر على مواقع التواصل، وجدت أن هناك من يحابي الفساد ويكسب وده حفاظا على مصالحه أو مصالح الجهة التي ينتمي اليها. فحين تكررت رسومي عن الفساد ذات عام من أعوامنا المتشابهة في رائحتها، طلب مني رئيس التحرير عدم التركيز على هذا الجانب، معللا ذلك بتحسس الدول المانحة والمنظمات الدولية و(الاستثمارات الأجنبية) من ذلك خوفا من ضياع أموالها في جوف الحيتان".
هامش الحرية... زلق للغاية!
ويضيف الفنان الحميري الذي توصف أعماله دائما أنها تترك "ابتسامات حزينة" على وجوه متلقي أعماله المؤثرة في حسها الساخر والنقدي، "هناك أمر آخر بالغ الأهمية في تناول الكاريكاتوريين للفساد وأنا أحدهم. فعلى خلاف الحرية الكبيرة التي يتمتع بها رسامو الكاريكاتير في الغرب لفضح المفسدين بأسمائهم الصريحة وملامحهم القبيحة، فنحن نتعاطى مع الموضوع كظاهرة عامة، لم يقترفها أشخاص معلومين، يسهل عليك أن تنسبها إلى (أجندة أجنبية) أو ( جهات مغرضة) أو (عصابات غسيل الأموال). ولكن إياك أن تسمي الأشياء بأسمائها لأن هامش الحرية المتاحة زلق للغاية، وهو يتسع أويضيق أو ينعدم بحسب مكانة الشخص أو الجهة التي يتوهم أنفك بأن رائحة الفساد (تعط) من أردانها".
* الرسمات الكاريكاتيرية منشورة بإذن خاص من الفنان خضير الحميري
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659