بقلم علي عبد الأمير:

يعيش إقليم كردستان أوضاعاً أمنية وسياسية واجتماعية بدأت تشكّل تهديداً جديّاً لوجوده كعلامة نجاح نسبي في منطقة تبدو محكومة بالفشل، كما يقول مراقبون محليون وأجانب. وهناك إجماع على أنّ الفساد في الإقليم، وبكافة أشكاله ومستوياته، هو تهديد لا يبدو أقل في تأثيره، ممّا يعنيه تهديد الأمن المقلق عبر إحاطة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للإقليم من الجنوب والغرب والشمال الغربي.

وفي إجابات لموقع (إرفع صوتك) على سؤال يتعلق بالفساد ومدى كونه مسؤولاً عن تفجر أزمات الإقليم مؤخراً، فضلاً عن كونه "عامل تقويض للدولة الكردية"،  يقول الباحث والكاتب الكردي المستقل هوشنك وزيري "لطالما كنت مأخوذاً بسؤال حول كيفية الكتابة عن فساد الحزب أو السياسي أو فساد الدولة بشكل عام في غياب الوثيقة التي تمثل دليل الاتهام. وأنا أعني هنا الفساد المالي تحديداً.. العراق ومعه كردستان ليسا بدولة "الوثيقة" فهما لا يملكان أدنى درجات البيروقراطية لنبحث عن الوثيقة/ الورقة ونتهم (السياسي) او (الحزب) ونقول مسكتك انك سرقت.. الفساد في العراق لا ينتمي إلى مرحلة الدولة ويأخذ شكل النهب عند الجماعات قبل الدولة. وهذه الجماعات هي القبائل التي كانت تفخر بالنهب والغنيمة وتعلنها على الملأ في الأسواق وتضمّها إلى قصائدها".

فساد القيم الاجتماعية؟

ويضيف الباحث وزيري "يخطئ ويتطرف في السطحية من يعتقد أنّ الفساد في العراق هو فساد الأحزاب أو فاسد الساسة، فالفساد هو فساد الجماعات/ العائلة/ القبيلة"، في اشارة إلى ما يعتبره الكاتب فساداً واسعاً لم يعد مقتصراً على الجانب المالي وممثلاً بالحكومة، بل هو "فساد قيمي تمارسه مستويات واسعة من الدولة والمجتمع".

من جهته يرى الصحافي والكاتب الكردي عبد الحميد زيباري أنّه "لو ألقينا نظرة على مشاكل الإقليم سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، للاحظنا أنّ جميعها مرتبطة بتفشي الفساد في المؤسسات الحكومية وحتى الحزبية أيضاً، سواء كان إدارياً أو ماليًا".

ويشير زيباري في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أنّه منذ تأسيس الإدارة الكردية في عام 1992 في إقليم كردستان العراق، لم تستطع هذه الإدارة التخلّص من مسألة الفساد. "حتى الحرب الداخلية التي شهدها الإقليم في عام 1994 واستمرت لسنوات وراح ضحيتها آلاف الشبابب كانت أهمّ أسبابها الفساد المالي، وبالأخصّ حول واردات الجمارك التي كانت تأخذها الإدارة الكردية آنذاك".

الولاء لا الكفاءة

ويوضح الكاتب والصحافي زيباري كيف يأخذ الفساد في الإقليم اتجاهين، إداري ومالي. "االإداري يتمثل في عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب والاعتماد على المحسوبية والمنسوبية ومدى إخلاص هذا الشخص وولائه أو قربه من قيادة الحزب الذي يمثله، مما انعكس على عدم وجود إدارة جيّدة للمؤسسات والتي تسوء إلى درجة كبيرة وبالأخص في قطاعي التعليم والصحة. ولم يشهد القطاعان أيّ تطوّر يُذكر لغاية الآن، ممّا دفع بالمواطنين إلى الاعتماد على القطاع الخاص وانتشار المدارس والمستشفيات الأهلية، وهذا ينطبق على جميع الوزارات والمجالات الأخرى".

وفيما يخصّ الفساد المالي، والقول لزيباري فإنّ "سيطرة الأحزاب تتجلّى من خلال تعيين أشخاص غير كفوئين والدفاع عنهم للحفاظ على سمعتها، في الوزارات والمؤسسات، مما فتح أيدي هؤلاء المفسدين للتلاعب بكل شيء بهدف الحصول على الأموال العامّة بالطرق غير الشرعية. وأكبر دليل على أنّ الأحزاب تدعم المفسدين أنّنا لم نرَ لغاية الآن إحالة أيّ شخص إلى القضاء بسبب قضية فساد مالي أو إداري على الرغم من اعتراف الجميع بوجود الفساد وإطلاق الوعود بمعالجته".

الفساد أصبح حالة متجذرة

وبشأن الأزمة الأخيرة في الإقليم ممثلةً في الصدام بين القوى السياسية الرئيسة، يقول زيباري "قضية الفساد أثّرت بشكل كبير على القضية الكردية. والخلافات التي نشهدها حالياً حول رئاسة إقليم كردستان العراق سببها الفساد وقيام بعض الأحزاب بالضغط على الأخرى لإيجاد حلول لهذه المسألة. كما أنّ مطالبة بعض الأحزاب بتحويل النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني وتقليص صلاحيات رئيس الإقليم هدفها الضغط على الحزب الحاكم في كردستان لإجراء الإصلاحات ومعالجة الفساد الإداري والمالي، كون هذه الاحزاب عندما كانت في المعارضة وعدت جماهيرها بذلك والآن أصبحت عاجزة عن تحقيق هذه المطالب لأنّ الفساد بات حالة متجذرة في المؤسسات الحكومية في الإقليم".

وبشأن تأثير الفساد الإداري والمالي والقيمي على القضية الكردية عموماً،  يرى زيباري أنّ "أي تراجع للقضية الكردية في المرحلة القادمة، وإن كانت هناك أسباب سياسية في الواقع، غير أنّ السبب الرئيسي لهذا التراجع يبقى مسألة الفساد الإداري والمالي التي لا تحاول الأحزاب الكردية لغاية الآن القضاء عليها، على الرغم من قدرتهم على إنجاز ذلك لو قاموا بفصل العمل الحزبي عن الحكومي، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والاعتماد على الكفاءات وليس على الولاءات الحزبية".

*الصورة: "لم نر لغاية الآن إحالة أي شخص إلى القضاء بسبب قضية فساد مالي أو إداري"/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659

 

مواضيع ذات صلة:

بقلم حسن عباس:

في اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، خرج متظاهرون إلى ساحات عدد من المدن العراقية مطالبين بالقضاء على الفساد الذي ينخر عددا من مؤسسات الدولة.

وكانت الشرارة الأولى للاحتجاجات قد انطلقت من محافظة البصرة، إحتجاجاً على سوء الخدمات العامة وعلى نقص الكهرباء بشكل خاص. ثم تمدّد الحراك إلى الشمال. وكان الشعار الأساسي "باكونا الحرامية"، وهو تعبير عامي عراقي يعني "سرقنا اللصوص".

للفساد ملمس!

ويقول الباحث في علم الاجتماع والناشط في الحراك عبد الرزاق علي "بين عامي 2008 و2014، لا نعرف إيرادات العراق ونفقاته، وقد لعبت الخلافات السياسية بين الكتل البرلمانية دوراً في عدم إغلاق الحسابات"، مضيفاً لموقع (إرفع صوتك) أنّ "خبراء اقتصاديين قاموا بمقارنة الواردات بالنفقات وقدّروا وجود قرابة 300 مليار دولار لا أحد يعرف أين أُنفقت".

وبعد تأكيده أن "الفساد ضرب كل مفاصل الدولة"، يشير الكاتب حامد المالكي، وهو أحد محرّكي التظاهرات، في حديث إلى موقع (إرفع صوتك) إلى أن "الفساد دمّر نفسية الإنسان العراقي. فصار يعيش وكأنّه خارج التاريخ، ووُلدت طبقات متنفّعة على حساب عامة الشعب".

أثر الفساد على المواطن ليس فقط نظرياً، برأي المدوّن محمد حسين حبيب المعروف بلقب "صبرائيل الخالدي". يبدأ تأثير الفساد على حياة المواطن من أصغر تفصيل، وهو المعاملات الحكومية. ويقول لموقع (إرفع صوتك) "ليست هناك دائرة حكومية في العراق عصيّة على الرشى، وهناك آليات بيروقراطية أو حتى مزاجية أحياناً تتيح للموظف الفاسد عرقلة المعاملات بهدف الابتزاز".

وعلى مستوى الخدمات، يضرب صبرائيل مثل المقاولات و"قيام شركات بدفع رشاوى لتحصل على مقاولة تبليط شارع مثلاً، فتضطر إلى تعويض ذلك على حساب جودة المواد المستخدمة أو حرفية العمل".

وعلى مستوى التعليم، يشير إلى ظاهرة الجامعات الأهلية، "التي تخرّج سنوياً آلاف الخريجين غير الكفوئين. وهي جامعات بعيدة عن عين الدولة ويمكن فيها شراء أيّ شيء".

وعلى مستوى الأمن، يذكّر بفضيحة شراء رجال أعمال مقربين من الطبقة السياسية أجهزة كشف متفجرات واطئة الكفاءة بأسعار عالية.

أسباب كثيرة لنتيجة واحدة

بحسب لائحة منظمة الشفافية الدولية التي تصنّف 175 دولة من الأقل فساداً إلى الأكثر فساداً، يحتل العراق المرتبة 170، وهذا ما ركّز عليه الناشطون العراقيون لحشد الشارع.

ويعتقد حامد المالكي أنّ "الأنظمة التي تقوم على المحاصصة العرقية والطائفية والقومية لا تقوم إلا على شرب دم الشعب وهذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر بلا فساد".

غير بعيد عنه، يقول عبد الرزاق علي إنّ "طبيعة إدارة العراق على أساس طائفي هي التي جعلت الفساد المؤسسة الأكبر في البلد"، مضيفاً أن تفرّد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي بالسلطة "أسّس للكثير من الخطايا ومنها عدم مراقبة موازنات الدولة وغياب المحاسبة".

هل بدأ الإصلاح؟

بعد أسبوع من بدء الحراك، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى أن يكون "أكثر جرأة وشجاعة" في مكافحة الفساد.

وقد تفاعل رئيس الحكومة حيدر العبادي مع مطالب المتظاهرين ووضع خطة إصلاحية عُرفت بـ"حزمة الإصلاحات" وتضمنت قرارات إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وإلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وتقليص أعداد عناصر حماية المسؤولين، إضافة إلى فتح ملفات الفساد. وقد وافق مجلس النواب العراقي على خطة مجلس الوزراء وأضاف إليها وثيقة إصلاحات تكميلية. لكن لم ترَ جميع الإصلاحات النور إلى الآن.

ويروي عبد الرزاق علي أن مراجع كبار ومقربين من السيد السيستاني أخبروه، في زيارة قام بها مع وفد إلى النجف، "بالحرف الواحد إنّه لولا الاحتجاجات لما بدأت الإصلاحات".

"الحراك الذي تشهده البلاد الآن هو خطوة أولى نحو إيجاد طريق لإخراج البلاد من هذا المأزق"، يقول الناشط الشاب مصطفى سعدون لموقع (إرفع صوتك)، متحدثاً عن "خوف وقلق السياسيين على مناصبهم من الناشطين الذين كسروا كل الحواجز وهدموا الأصنام التي أريد لها أن تكون خطاً أحمر لا يُسمح لأحد بتخطيه".

لكنّ "الإصلاحات الحكومية تضرب أطراف الفساد بينما المطلوب ضرب قلب الفساد"، برأي المالكي الذي يعتبر أن "رئيس الحكومة هو جزء من منظومة قائمة على الفساد والتقاسم الطائفي والقومي للكعكة العراقية".

وهذا ما ذهب إليه عبد الرزاق علي، الذي يصف حزمة الإصلاحات بـ"الترقيعية" برغم كونها بداية هامة. ويشير إلى أنّ "العبادي يسير خطوة إلى الأمام خطوتين إلى الوراء"، عازياً سبب التردّد إلى كون رئيس الحكومة "مكبّل بمجموعة عوامل تحدّ من قدرته على السير بالإصلاح قدماً، فهو أساساً تقلد منصبه بتوافق بين قوى سياسية متورطة في الفساد والطائفية، وهو جزء من حزب الدعوة الذي ينتمي إليه سلفه المالكي".

ماذا عن المستقبل؟

ويشدّد المالكي على أنّه "لا بد من الأمل". ويقول "الشعوب قد تنتكس، لكنّها هي التي ستنتصر أخيراً"، لافتاً إلى أن "الفاسدين بدأوا يفكرون كثيراً قبل عقد أيّة صفقة فيها فساد وهذا هام جداً. فخوف الحكومة والفاسدين هو أعظم مكسب للتظاهرات".

*الصورة: مظاهرات في بغداد تطالب بالإصلاح/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق "واتساب" على الرقم 0012022773659